أبو البنات و«القفة»

أبو البنات و«القفة»

أبو البنات و«القفة»

 صوت الإمارات -

أبو البنات و«القفة»

بقلم - خالد منتصر

تمنيت طوال عمرى أن أكون أباً لبنت اسمها سعاد على اسم أمى، لكن الله رزقنى بولدين فقط، هما قرة عينى، لكن كان لى حق الحلم، والآن وبعدما شاهدت معاناة آباء البنات فى مصر لى الحق الآن أن أعلن أن هذا الحلم للأسف يتحول فى المحروسة إلى كابوس، أبو البنات فى هذا الوطن مطلوب منه أن يمتلك ألف عين، وأعصاباً من فولاذ، وقلباً من ثلج، فهو أبو صانعات الفرح وناسجات البهجة وصاحبات السعادة، هو والد ألطف الكائنات، لكنهم فى بلادنا المتدينة بطبعها، يطلبون من البنت أن تكون خرساء، لأن صوتها عورة، تمشى على الأرض الهوينى، وكأنها سراب، لأن وقع أقدامها من الممكن أن يكون فيه دلال وميوعة ومياصة تثير ذكور الأمة المؤمنة، أن تخفى الشعر والكعب وحلمة الأذن وأرنبة الأنف حتى لا يهتاج فحول القبيلة، تشب البنت فى البيت لتجد أن اسم أمها عيب، هى الحرمة والحرام، اسمها مشطوب فى بطاقة الأب، عندما ينادى الأب عليها فى الشارع، ينطق باسمه ولا يتلفظ باسمها حتى لا يتم تجريسه، غير مسموح لها باللعب فى الشارع مثل الأولاد، ممنوع عليها الفسحة أو السفر مثل الصبيان.

أبو البنات يعيش حالة فوبيا مزمنة، خوف وذعر وتوقع للسيئ دائماً، يدفعه المجتمع لتقليم أظافر ابنته انطلاقاً من الشعار المقدس «اكسر لها ضلع يطلع لها ضلعين»، يكفى أنها هى التى أخرجت أبانا آدم من الجنة، رغم أنه قد أنعم ومنّ عليها بأنها قد خلقت من ضلعه المعوج، كانت هى الحية التى خدعت وهبطت بنا من الفردوس، يصرخون فى وجهه الختان الختان، الطهارة الطهارة، لا بد أن تبتر أيها الأب الغلبان المصاب بداء خلفة البنات، هذا الجزء الزائد فيها، والذى يجعلها هلوكاً تطلب الرجال، امنع هذا البروز الشيطانى من الاحتكاك بملابسها الداخلية وجلب العار لك، ما إن تشب عن الطوق حتى يكتشف وتكتشف البنت أن الشارع المصرى قد سرق منها ولفظها، الشارع لم يعد لها فى بلد دخل موسوعة جينيس بأكبر نسبة تحرش، ضباع الأسفلت تتعامل معها على أنها قطعة لحم، الضباع التى تبرر لنفسها أن قطعة الحلوى المكشوفة حتماً سيتجمّع حولها الذباب، يرضون لأنفسهم وصف الذباب الذئاب، يستبيحون العنف اللفظى والمادى أيضاً ضد الأنثى التى هى مفعول به حتى الموت، فالمرأة ما لها إلا ستران البيت والقبر.

هناك من يتبجح قائلاً: «مش عايزة تتدبحى البسى حجاب واخرجى زى القفة علشان الراجل ريقه مايجريش»!!، وهناك شيخ قال إن المرأة التى تخرج سافرة قد أسقطت عن نفسها رداء العفة فحلال فيها الاستباحة، وآخر يقول إنها بدون حجاب وكأنها تقول للرجال هلموا مرحباً بكم إلى الوليمة، وآخر يقول إن التحرش بمرتديات ولابسات الجينز واجب قومى!!، عندما علمتها كتب القراءة فى الصغر أن سعاد تنظف البيت وعادل يقرأ الكتاب، لم تكن تعرف أن المجتمع يعدّها ويؤهلها لتكون خادمة لكن بدون أجر، فتتزوج لتهرب من تسلط الأسرة وعنف الشارع ونفور المجتمع وإحساس الجميع بأنها عورة تمشى على الأرض، وعار يحول بيننا وبين السماء، تهرب من سجن إلى زنزانة، ومن منزل الأسرة إلى معتقل الزوجية، حتى اللقاء الحميم بعد الزواج لا بد أن تكبت فيه مشاعرها وتكون كالدمية الكاوتشوك حتى يلقى فيها الرجل بفضلاته خشية اتهامها بأنها كانت قبل الزواج «دايرة على حل شعرها»!!، وبالطبع عليها أن تُلبى وترضخ حتى لو كانت متعبة أو منهكة أو حتى قرفانة من اللقاء، لا بد أن ترضخ حتى لا تلعنها الملائكة التى هى على خصام مزمن معها وضدها طوال الوقت وكأن بينها وبين المرأة ثأراً قديماً، تظل طوال حياتها تبحث عن هويتها.. كينونتها.. حياتها بلا جدوى، حتى يحتضنها القبر فى نهاية حياتها، إنه الوحيد الذى احتضنها.

كنت أتمنى أن أكون «أبو البنات»، لكن سامحونى، فأبو البنات فى مصر مشنوق مشنوق يا ولدى، يعيش حزيناً على بنت أراد لها الحرية، فأفزعوه بأنه ديوث، وأرعبوه بأنه خنزير سيدخل النار ممسكاً فى ذيل جلباب ابنته التى هى من أكثر أهل جهنم، كان نفسى لكنى أعترف أننى لا أستطيع تحمّل وأد ابنتى فى مجتمع يعتبرها نصف إنسان وكل الخطيئة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبو البنات و«القفة» أبو البنات و«القفة»



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 18:01 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 19:17 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 18:37 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 18:54 2019 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:09 2015 السبت ,25 إبريل / نيسان

"سوني" تكشف عن مميزات هاتفها "إكسبريا زي 4"

GMT 23:38 2013 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تباين أسعار خدمات المطاعم خلال رمضان

GMT 11:24 2019 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أجمل الوجهات السياحية في شتاء 2020

GMT 14:48 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

"Mother of Pearl" ترفع شعار تقديم الملابس المسائية صديقة البيئة

GMT 06:14 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوي كارداشيان تظهر بإطلالة جريئة باللون الأصفر النيون

GMT 05:01 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المنتخب الوطني تحت 19 عامًا يواجه طاجيكستان في كأس آسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates