«بوتين» و«كارلسون» والشعب الأميركي

«بوتين» و«كارلسون» والشعب الأميركي

«بوتين» و«كارلسون» والشعب الأميركي

 صوت الإمارات -

«بوتين» و«كارلسون» والشعب الأميركي

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الصحفي الأميركي الشهير تاكر كارلسون المثير للجدل أثار جدلاً كبيراً قبل أيام بعملٍ صحفي بارع استطاع فيه إجراء مقابلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، كان يمكن لهذه المقابلة أن تكون عملاً صحفياً جيداً وليس بارعاً، ولكن الإعلام الأميركي يرفض أن يخرج رئيس روسيا ويخاطب الجمهور الغربي والشعب الأميركي مباشرةً ويشرح أبعاد الصراع الدائر في أوكرانيا من وجهة نظره.
تاكر كارلسون أعدّ جيداً لهذا الحوار والرئيس بوتين مستعد أكثر من كارلسون، فالقضية بالنسبة للأخير هي عمل صحفي ينتهي منه ويتجه لما بعده بينما هي بالنسبة لبوتين قضية أمنٍ قوميٍ روسي فيها الكثير من الخطوط الحمراء، وهو يشرحها بإسهاب وترتيب ذهني قد يشعر غير المختص بشيء من الملل، وهو عندما كان يشرح لكارلسون ولمشاهديه من الشعب الأميركي والشعوب الغربية والعالم من خلفهم كان واعياً أن الشرح المسهب قد يفقده بعض الجاذبية في الحوار، ومع ذلك فعلى الرغم من مقاطاعات كارلسون المتكررة فإن بوتين كان يعيده مرةً بعد أخرى للسياق التاريخي والسياسي الذي يريده حتى أكمل الشرح والتوضيح ثم أجاب على كل أسئلة كارلسون كما قد يفعل أي سياسيٍ في هذا الوقت.
فبوعي كاملٍ وثقافة حاضرةٍ استعرض الرئيس بوتين تاريخ روسيا لأكثر من ألف عامٍ ليضع نقط التاريخ على حروف الواقع، وليبني قضيته في الحرب الروسية الأوكرانية الحالية على أساس متينٍ فتحدث عن التاريخ والجغرافيا وعن الدين والعرق واللغة، إنه لم يكن سياسياً يدافع عن قرار اتخذه، بل هو مثقف واع يدافع عن هويته وتاريخه وحقوقه، كل هذا وهو يخاطب الشعب الأميركي والشعوب الغربية عموماً كمحاولة منه لتهدئة الشعور المتزايد بالعداء معه ومع روسيا في أميركا والغرب.
شواهد بوتين كانت حاضرة بالحدث والتواريخ والأرقام، وبالشخصيات التي تناقش معها من رؤساء أميركيين وغربيين عموماً، وهو يذكرهم بالاسم وعدد منهم ما زالوا أحياء ويستطيعون الرد عليه، ثم إنه دعّم موقفه بالعديد من الوثائق المهمة التي استعرضها وأكثر من هذا فقد كشف عن طرفٍ من بعض المحادثات السرية مع أميركا من خلاله شخصياً أو من خلال المؤسسات الروسية ونظيراتها الأميركية، وأياً كانت ردود الفعل على هذا الحوار داخل أميركا فإن الدولة الأميركية يجب أن تجد طريقة للرد وتوضيح بعض الحقائق، وهو ما يريده بوتين على أي حالٍ.
استحضار التاريخ وسياقاته المغيبة عن الآخرين واستخدام الوثائق الرسمية كانا أحد الأدوات المهمة التي استخدمها الرئيس بوتين في توضيح موقفه وسياسة بلاده وقرار الحرب في أوكرانيا، ما يسلط الضوء الكثيف على أهمية التاريخ ومعطيات الهوية القومية كاللغة والدين والعرق على أحداث الواقع وسياسات الحاضر، وهذه معطيات بالغة الأهمية والحساسية، ولا يمكن تركها والتغاضي عنها أو التقليل من شأنها ضمن أي جدالٍ أو سياقٍ.
هذا في روسيا وعلاقاتها بجيرانها وبالغرب عموماً على الرغم مما جرى هنا في القرون الأخيرة من «ثوراتٍ» كبرى و«تنوير» واسعٍ فكيف هو الشأن في منطقتنا منطقة الشرق الأوسط، فالأمور لدينا لم تزل أكثر تخلفاً من ذلك بكثيرٍ، بحكم التطور التاريخي للأفكار والأمم والشعوب، وما زالت عناصر «الهويات القاتلة» كما كتب أمين معلوف تعيث فساداً في العقول والقلوب وتخرج منها جماعات وتنظيمات وأحزابٍ وميليشيات، وتتبناها بعض الدول في المنطقة وتنفخ في كير الفتنة وتبني عليها مشاريع عابرةٍ للحدود تسعى من خلالها للتوسع وبسط النفوذ وفرض الهيمنة على الدول والشعوب العربية. أخيراً، فحوار كارلسون مع الرئيس بوتين جديرٌ بالمشاهدة والتدقيق لأنه يفتح أبواباً مغيبة عن الصراع الدولي الساخن.
*كاتب سعودي

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بوتين» و«كارلسون» والشعب الأميركي «بوتين» و«كارلسون» والشعب الأميركي



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:15 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 صوت الإمارات - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 22:19 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 صوت الإمارات - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
 صوت الإمارات - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 05:05 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

بلقيس فتحي تفاجئ الجمهور بقرارها بشأن الزواج
 صوت الإمارات - بلقيس فتحي تفاجئ الجمهور بقرارها بشأن الزواج

GMT 22:09 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية
 صوت الإمارات - إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية

GMT 12:08 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

يتناغم الجميع معك في بداية هذا الشهر

GMT 17:57 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قاوم شهيتك وضعفك أمام المأكولات الدسمة

GMT 15:49 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

صفاء مصطفى تكشف عن تشكيلة مُميزة لـ "إكسسوارات" شتاء 2019

GMT 16:47 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

بي ام دبليو تعمل على الجيل الجديد من "M3" بتمويهات كثيفة

GMT 11:54 2013 الجمعة ,05 تموز / يوليو

20 منحة للمتفوقين في كلية حمدان الإلكترونية

GMT 17:58 2012 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

زويل و"البرنامج" في ليلة رأس السنة على "cbc"

GMT 17:45 2013 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ندوة في الجامعة الاميركية عن القوى العالمية

GMT 12:39 2015 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

علامة "جيمي شو" تقدم حقيبة "كاندي باريس" الحصرية

GMT 13:41 2017 السبت ,24 حزيران / يونيو

الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان يزور محمد بن ركاض

GMT 12:50 2016 الثلاثاء ,21 حزيران / يونيو

"البسيمة" مع الشيف أسامة السيد لحلو الإفطار

GMT 20:53 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 03:02 2019 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

"قدم محمد صلاح اليمنى" تسيطر على صحف بريطانيا وأسبانيا

GMT 08:14 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

«غوغل» تطور «أندرويد Auto»

GMT 16:28 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

الصين تعلن عن دورات مياه جديدة ذات تقنية مميزة

GMT 13:30 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تونس في المرتبة 60 عالميًا في مجال الأداء الطاقي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates