«الداعشيات» يعزفن ويغنين

«الداعشيات» يعزفن ويغنين

«الداعشيات» يعزفن ويغنين

 صوت الإمارات -

«الداعشيات» يعزفن ويغنين

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

شيء جميل يحدث في سجون المباحث العامة السعودية، سجناء الإرهاب و«إدارة الوقت» تجربة تستحق أن تروى، ونموذج مختلفٌ يسترعي الانتباه في رؤيته الفكرية والسياسية والأمنية التي يمكن للجميع الحكم عليها بمجرد معرفتها.

الحدث هو «المهرجان الثالث لبرنامج إدارة الوقت» مهرجان فنيٌ يشتمل على الغناء والعزف على الآلات الموسيقية وفيلم قصير ومسرحية درامية.. المغنون والمغنيات والعازفون والعازفات والممثلون والممثلات، جميعهم من سجناء تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين و«خلايا إيران» الإرهابية، والحضور الذين امتلأ بهم «المسرح» لفيفٌ من الإعلاميين والفنانين والمسؤولين من جهاتٍ متعددةٍ.
فيما مضى، وقبل اثنين وثلاثين عاماً، كان كاتب هذه السطور سجيناً في نفس المكان، بتهمة «تكفير الدولة» وكان الترفيه الوحيد الذي نحظى به حينذاك هو إنشاد «الزامل» اليمني بكلمات تتغنى بـ«الجهاد» يقوم بها السجناء في غرفهم المغلقة، وقبل 7 سنواتٍ تقريباً بدأ «برنامج إدارة الوقت» وبدأ النموذج يتشكل ويتطوّر.
قبل سنواتٍ ثلاثٍ، زرت نفس المكان، واطلعت على «سجنٍ» ليس كالسجون، يسكنه «نزلاء» لا «سجناء» كما هي التسمية المعتمدة هناك، والتقيت بعازفٍ على «العود» وآخر على «البيانو» وثالث يغنّي بصوت جميل، وتجوّلت على غرف «إدارة الوقت» التي يقضي فيها النزلاء محكوميتهم، وهي غرفٌ «جماعية» فيها تجهيزاتٌ وخدماتٌ خاصةٌ «تشميس خاصٌ» تضمن حداً معيناً من الرفاهية في مثل هذه الظروف، ولديهم «مقهى» و«مكتبة» يجتمع فيهما أهل الغرف جميعاً، ولديهم نشاط خارج الأسوار يشمل «الزراعة» و«الحدادة» و«النجارة»، ومرسمٌ فنيٌ، وعندهم «نشرة إعلامية» مطبوعةٌ يحررونها بأنفسهم، و«أستوديو» احترافي للتسجيلات، وكتبت لهم في مرة تلك النشرة: كنت قبلكم هنا، أتمنى لكم التوفيق.
قبل أيامٍ، وفي المهرجان، تغنّى سجناء وسجينات «القاعدة» و«داعش» ببعض الأغاني الوطنية المشهورة، وقاموا بغناء أغنية من كلماتهم وألحانهم تشيد بالوطن ومنجزاته و«رؤية السعودية 2030» وجاء ذكر «الرؤية» في المسرحية كمشروعٍ عمليٍ طموح مع غمزٍ ساخر ممن يعتمد على «رؤيا» المنام لتبرير الإرهاب ويتركون «رؤية» الواقع التي تقود السعودية نحو المستقبل.
السؤال هنا، هل هذا كافٍ؟ هل هؤلاء الشباب والشابات صادقون في تغيرهم وتحوّلهم؟ أم أنه مجرد تعايشٍ مع ظروفهم؟ وللجواب اتجاهان؛ الاتجاه الإنساني الذي يتمنى فيه الجميع أن يكونوا صادقين ومقتنعين، والاتجاه الأمني الذي لا يثق بسهولةٍ في مثل هذه التغيرات ضمن ظرفها الطبيعي، ولكن من تحدث مع هؤلاء «النزلاء» لا يستطيع إنكار الحرارة التي يتحدث بها بعضهم.
المسار القانوني أساسٌ، فبعض هؤلاء قد ارتكب «جرائم» وشارك في عملياتٍ «إرهابيةٍ» وصدرت بحقهم أحكام قانونية نافذةٌ، وعليهم «ضريبةٌ» يدفعونها للدولة والمجتمع، وهذه لا نقاش فيها، فهم في هذا المكان تنفيذاً لتلك الأحكام ودفعاً لتلك الضريبة.
هؤلاء «النزلاء» هم ضحيةٌ لخطابٍ آيديولوجيٍ متطرفٍ عاث في البلاد طولاً وعرضاً وفي عقول الشباب عقوداً، وهم ضحيةٌ لنماذج «مناصحة» فاشلةٍ أخرجت أمثالهم سابقاً فعادوا إلى الإرهاب مجدداً، وعلى الرغم من ذلك فيمكن تناول هذا الملف برؤية «أمنية سياسية» و«اجتماعية نفسية» قادرة على الفرز بين من يستحق تعجيل منحه «فرصة ثانية» ومن يجب أن يقضي مدة حكمه كاملة، ولكن هذه المرة من دون تدخلٍ من «صنّاع التطرف» ورموزه مطلقاً.
«برنامج إدارة الوقت» استقطب أكثر من خمسين في المائة من هؤلاء «النزلاء» وهي نتيجة مشجعة مقارنةٌ بالشحن الفكري والعاطفي والحماسي الذي أوصلهم لهذا المكان بدايةً، وهو برسم التطوير الدائم.
«صناعة الفخر» وتعزيز «الهوية الوطنية» وتحقيق «المنجزات» قادرةٌ على تغيير العقول والقلوب، ونجاحات مشاريع «رؤية 2030» وبرامجها المساندة التي تملأ عقول السعوديين وقلوبهم تؤثر بهذه الدرجة أو تلك في هؤلاء أيضاً، وأذكر قبل أكثر من ثلاثة عقودٍ عندما كنت «نزيلاً» في هذا المكان، كان معنا ضابطٌ عراقيٌ بعثيٌ أخذ يتهجم على «السعودية» بكلامٍ سيئ فثارت «حميةٌ وطنيةٌ» لدى شباب دخل السجن أصلاً لأنه «يكفّر» هذه الدولة، وهذه مفارقة تحتاج التأمل.
يمكن لمن حضر هذا «المهرجان» أن يستوعب حجم الجهد الفكري والأمني والإنساني المبذول لإنجاحه، ولكن الناقد بصيرٌ، والمراقب ليس كمن يده في العمل رؤيةً وتخطيطاً وتنفيذاً، ففنياً، وقتُ المهرجان يمكن اختصاره إلى النصف لمزيد إتقان وتشويقٍ، وفقراته توضح ضعف الحصيلة العلمية لدى المشاركين فيه من «النزلاء» «شرعياً» و«لغوياً» وهذا ضعفٌ يمكن تفهمه وإدراك أسبابه، ويمكن تداركه.
في الوقت الضيق الذي تلا نهاية المهرجان تسنى لي الحديث مع عناصر الحدث عزفاً وغناءً وتمثيلاً من «النزلاء» ولم يكن مستغرباً أنهم يعرفونني بالاسم و«الكنية» وقرأ عليّ أحدهم ما كتبه عنّي في كتابٍ كتبه داخل «الحائر» ناقداً للصحوة والإرهاب، وأنه اعتقد لفترةٍ أن «مركز المسبار للدراسات والبحوث» الذي شاركت في تأسيسه وإدارته في سنواتٍ سابقة هو عبارة عن «حوزةٍ ليبرالية» ولا يخفى ما تكتنزه هذه العبارة من أبعادٍ مذهبيةٍ وفكريةٍ وسياسيةٍ.
كان الحرص ظاهراً لدى غالبيتهم برغبةٍ صادقةٍ للحديث معي، وكنت بدوري حريصاً على ذلك، وقد استأذنت المسؤولين عن «برنامج إدارة الوقت» و«المباحث العامة» فأبدوا الترحيب بهذه الخطوة، وأحسب ولا أجزم أن بعضهم وإن اختلف معي - كما حرص بعضهم على التأكيد - إلا أنهم ربما وجدوا قدرة على فهمهم بحكم «التجربة» و«الخبرة» وربما «التشابه» في مرحلة قديمة سابقة.
«برنامج إدارة الوقت» مشروعٌ يمثل تجربةً أمنيةً وسياسيةً متكاملة الأطراف للتعامل مع هذه الشريحة من المجتمع التي انخرطت في الإرهاب إلى أقصى حدوده، وهو يستحق أولاً الكتابة عنه ممن صنعوه فكراً ورؤية وطبقوه عملياً في سجون المباحث العامة في السعودية، ويستحق ثانياً جعله نموذجاً يحتذى به حول العالم في التعامل مع هذه الشريحة من المجتمع.
هناك نماذج عربية وإسلامية وغربية سابقة، أشهرها «سجن أبو غريب» و«سجن غوانتنامو» الأميركيان، وهما نموذجان أثارا وما زالا يثيران الكثير من الجدل، ونتائجهما غير مُرضية وفي بعضها وخيمةٌ.
أخيراً، فالأمن أولاً بلا جدالٍ، ولكن مسؤولاً أمنياً كبيراً أكّد أنه من المهم أن يعلم هؤلاء «النزلاء» أنهم ليسوا مكروهين من «الدولة» و«المجتمع» وأنهم ينفذون أحكاماً قانونية، ومن المهم - بحسبه - أن يعرف الجميع الفرق بين «الجريمة الغريزية» و«الجريمة الآيديولوجية».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الداعشيات» يعزفن ويغنين «الداعشيات» يعزفن ويغنين



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 01:44 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

جيمي أيوفي يستمتع مع أسرته في "أتلانتس دبي"

GMT 10:11 2012 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الطاقة الإثيوبي: في طريقنا لاستكمال مشروع سد النهضة في 2015

GMT 19:07 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

اسباب تضخم الكبد وطرق العلاج

GMT 18:36 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

صفّ السيارات يتسبب في مشاجرة بالضرب بين رجل وفتاة في تكساس

GMT 20:58 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

أول اجتماع لرئيس التليفزيون لبحث تطوير القنوات المصرية

GMT 06:43 2015 الجمعة ,19 حزيران / يونيو

الطقس في الإمارات الجمعة مغبرًا جزئيًا

GMT 01:51 2016 الثلاثاء ,29 آذار/ مارس

افضل التصاميم البارزة لأحذية ربيع 2016

GMT 11:53 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام مسابقة الخطابة باللغة العربية للجامعات الصينية

GMT 22:33 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

إطلالة مثيرة للموديل هايدي كلوم في حفل "أمفار"

GMT 02:28 2014 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

"الإسلاميّون" يعتبرون "العلمانيّة" ارتدادًا عن الدين

GMT 14:55 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

طاهية تصنع قطار من خبر الزنجبيل "بالحجم الطبيعي" في سيدني

GMT 22:11 2013 الأربعاء ,29 أيار / مايو

الموسيقى المعاصرة على "راديو فرنسا" الأربعاء

GMT 03:26 2013 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

مجدي يعقوب يجري 3 عمليات "قلب مفتوح"

GMT 15:12 2013 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

جامعة عثمانية إحدى أبرز جامعات الهند وآسيا

GMT 18:29 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الجامعة الأميركية في الإمارات تنظم مؤتمرًا عن "الناتو"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates