ليلة القبض على «أبو طبر»

ليلة القبض على «أبو طبر»

ليلة القبض على «أبو طبر»

 صوت الإمارات -

ليلة القبض على «أبو طبر»

بقلم - إنعام كجه جي

جنان مراد، بقال عراقي في أواخر الستين من العمر، توفي في ألمانيا، قبل أيام. وليس من المبالغة القول إن لكل مهاجر عراقي من المنتشرين في قارات العالم حكاية تصلح لرواية. وقصة جنان بدأت في بغداد، حين كان في الثامنة عشرة من عمره، والتصقت به ودبغت جلده وخلخلت علاقته بمعنى الوطن.
كان الأكبر في أسرة مؤلفة من تسعة أبناء وبنات تعتمد عليه في معيشتها. نجح في امتحان الثانوية العامة ويعمل في المساء بائعاً للمثلجات على رصيف في ساحة الجندي المجهول القديم. مبنى أزيل لكي يشيد في موقعه فندق «شيراتون». زبائنه من المتنزهين الذاهبين أو العائدين ليلاً من شارع أبي نواس. وفي ليلة صيفية متأخرة أنهى عمله مع رفيقه في الشغل وقام بتنظيف ماكينة «الآيس كريم». كان يعدّ رزق يومه من الدنانير والدراهم حين توقفت سيارة ونزل منها أربعة أشخاص. لم تكن وجوههم مريحة ولا يبدو عليهم أنهم زبائن عابرون.
سأله أحدهم عما يفعله في الشارع في آخر الليل وأجاب بأنه يشتغل على تلك الماكينة، يبيع المثلجات. «ومن أين لك هذه الفلوس؟ لا بد أنكم حرامية». تطوّر الكلام وعلت الأصوات وتبودلت الشتائم. والشتائم العراقية تبدأ بسيطة وتصل إلى صفات تمسّ العرض. وعندما يصل الأمر إلى الشرف لا بد من استعمال القبضات. وكان جنان ذا عضلات متينة، أبلى بلاءً حسناً في المعركة. لكن ماذا يفعل شابان صغيران مقابل أربعة من رجال الأمن مسلحين بمسدسات؟
اقتيد بائع المرطبات ورفيقه إلى مديرية الأمن العامة في شارع النضال واستمرت حفلة الشتائم والضرب. تركز الهجوم عليه لأن رفيقه كان جندياً يخدم في الجيش. سال دمه من أنفه وأسنانه وكسرت ذراعه. هددوه بأنهم سيجلسونه على قنينة. ممارسة قذرة شائعة في دهاليز التعذيب. ما التهمة؟ اعترف بأنك «أبو طبر».
في تلك الفترة من أوائل السبعينات، كان «أبو طبر» على كل شفة ولسان في بغداد. مجرم يتسلل إلى بيوت عائلات آمنة في مناطق راقية ويقتل أفرادها بلا رحمة ويسرق ممتلكاتهم. يستخدم قطعة حديد تشبه الفأس وتسمى الطبر. انتشرت الحكايات عن سطوة القاتل ووحشيته. خافت العائلات على أبنائها وراح الأقارب يتجمعون للمبيت ليلاً في بيت أحدهم. يفرشون في الصالة الكبيرة ويتمددون متلاصقين مثل السردين. يلزم الرجال دوريات حراسة حتى الصباح.
زادت الجرائم بحيث أحرجت السلطة الحاكمة. سرت همسات بأن لها يداً فيها لصرف اهتمام المواطنين عن تداعيات محاولة الانقلاب التي كانت قد جرت قبل فترة وجيزة. تمت الاستعانة بخبراء في الجريمة من شرطة موسكو وباريس. تم وقف البرنامج التلفزيوني الأسبوعي «الشرطة في خدمة الشعب»، لأنه تحول إلى مناسبة للسخرية. كان لا بد من العثور على كبش فداء وإلباسه التهمة. وقد كان جنان واحداً من كثيرين. خمسة أيام من الاستجواب والتعذيب. ينهالون عليه بهراوات يسمونها «الدونكيات»، وأشقاؤه يبحثون عنه ولا يعرفون له مكاناً. ثم تصادف مرور مفوض في الأمن يعرفه وكان يشتري منه المثلجات. شهد لصالحه وتقرر إخلاء سبيله. عاد إلى بيته وانهارت والدته وهي تراه. نام أسبوعاً مثل قتيل. ذات ليلة من عام 1974 أعلنت الداخلية أنها قبضت على «أبو طبر». عرضوه على شاشة التلفزيون وهو يعترف بجرائمه. صدر عليه حكم بالإعدام ونفذ الحكم في سجن «أبو غريب». تفرج عليه جنان ولم يصدّق كلمة مما يسمع. تراجعت صحته وانكسرت نفسيته. انتهى في ألمانيا ملتحقاً بأشقائه الذين سبقوه في الهجرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليلة القبض على «أبو طبر» ليلة القبض على «أبو طبر»



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates