رشيدة بنت قدّور

رشيدة بنت قدّور

رشيدة بنت قدّور

 صوت الإمارات -

رشيدة بنت قدّور

إنعام كجه جي
بقلم - إنعام كجه جي

يقول المثلُ العربيُّ إنَّ «كلّ فتاةٍ بأبيها معجبة». والممثلة الفرنسية، الجزائرية الأصل، رشيدة براكني ليست استثناء. الاستثناء هو الأب، قدّور، المهاجر الذي ربَّى أبناءَه وهو صامتٌ، مقتلعٌ الجذور، على أمل أن يعودَ يوماً إلى الأرض التي نبت منها. قال لها إنَّه سيعود بعد أن تحصلَ على شهادة الثانوية العامة ويطمئنَ عليها. حلمٌ لم يتحقَّق مثل أحلام ملايين المهاجرين. ماتَ في الغربة لتكتشفَ ابنتُه أنَّها لا تعرف الكثير عن تاريخِ ذلك الأب.

درست البنتُ القانونَ في «السوربون»، ورأت نفسَها تترافع في قاعات المحاكم. لكنَّ صوتَها انطلق من صالات المسارح. أخذت دروساً في التمثيل وصارت نجمةً في ميدانها، تمثّل وتخرج وتغنّي وتناضل. أول عربية يتم قبولها في «الكوميدي فرانسيز»، أعرق فرقة مسرحية في فرنسا. إنجاز عالٍ لأب جزائري يعمل سائقاً وأمٍّ تخدم في البيوت وصبية سمراءَ ذاتِ شعرٍ أجعدَ ترطن بنصوصِ موليير وفكتور هوغو.

مات الأبُ في عزّ جائحة «كورونا». وطوال ستة أيام كانت رشيدة تحاول إعادةَ جثمانه إلى مسقط رأسه دون أن تتلقى جواباً حاسماً. أنهرٌ وليالٍ أمضتها وهي تستنطق الجسد المُكفّن وتتحاور معه. والنتيجة رواية عذبة بالفرنسية صدرت حديثاً عن منشورات «ستوك» بعنوان «قدّور». هل قلت عذبة؟ بل صادمة. على الغلاف لوحة لشجرة أورقت أغصانها بعيدة عن تربتها. وهناك صورة الأب في شبابه، بشارب رفيع وبدلة وربطة عنق. لعلها صورة زواجه. وطوال 200 صفحة راحت الابنة تمنح صوتها لرجل صامت لا يجيد القراءة والكتابة لكنه كان يأخذ أبناءه إلى المكتبات. وضعت رشيدة على شفتيه عبارات كان يتحشّم من النطق بها، وشكوى من عنصرية تحمّلها دونما اعتراض.

العنصرية؟ لقد عرفتها البنت منذ اليوم الذي نزلت فيه لتعمل نادلة وتنفق على دراستها. ربّ العمل فرنسيّ لا يطيق المهاجرين العرب والأفارقة. يخشاهم ويعدّهم كائنات جاهزة للخروج على القانون. «أنا عربية ألا تخاف مني»؟ ينظر لها نظرة اشتهاء ويجيب: «الأمر مختلف، أنت امرأة». ثارت رشيدة على فكرة أن المهاجر العربي مشروع مجرم والمهاجرة مشروع متعة.

وقفت على الخشبة في مسرحية «أؤمن بإله واحد» للكاتب الإيطالي ستيفانو ماسيني، وأدَّت بمفردها ثلاثة أدوار: مجندة أميركية، وأستاذة تاريخ إسرائيلية، وشابة من غزّة تستعد للقيام بعملية استشهادية. الثلاث يؤمن بإله واحد ولكلّ منهن خندقها. قال مخرج المسرحية آرنو مونييه إنَّ رشيدة لم تكن تؤدي دوراً بل تطرّز دانتيلا. وهو اختارها لأنَّها فنانة ملتزمة وليست ماءً فاتراً.

في «قدّور» تنبش المؤلفة تاريخَ أسرتِها الذي فاتها أن تسأل عنه وهي صغيرة. تتأكد أنَّ أباها، مثل غيره ممن علك المهجر أعمارَهم، فقد مكانه في وطنه دون أن يحقق مكانة في البلد الغريب. بنى لنفسه منطقةً رماديةً لا هي بالبيضاء ولا السوداء. تصوّر أنَّ غربتَه مؤقتةٌ ومات قبل أن يدرك أنَّها المصير.

قالت في مقابلة معها إنَّها مواطنة عابرة للطبقات. حياتها مختلفة عن والديها. عاشا فقيرين وعاشت مرفَّهة. تزوَّجت بطل كرة القدم إريك كانتونا ورُزقا بأمير وسلمى. خرجت من طبقتها والتحقت بطبقة أعلى. وبما أنَّ ملامحها تشي بأصلها فإنَّ انتقالها لم يكن سهلاً. المجتمع يحكم عليك من شكلك واسمك. لكن من فضائل هذا المجتمع أنَّه لا يتغاضى عن المواهب. كانت رشيدة براكني أولَ عربية تنال «جائزة موليير» للمسرح و«جائزة سيزار» السينمائية وأول سفيرة عربية لشركة «لوريال». حكمتها المفضلة: بدلة الكهنوت لا تصنع راهباً لكنَّها تسمح لصاحبها بدخول الدير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رشيدة بنت قدّور رشيدة بنت قدّور



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:08 2018 الأربعاء ,23 أيار / مايو

طريقة تحضير السبرنغ رول بالخضار

GMT 13:02 2018 الثلاثاء ,03 إبريل / نيسان

المعلمون يعلنون عن أهمية التعلم في الهواء الطلق

GMT 23:21 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

آبل تستعد لبيع هاتفها المليار

GMT 16:04 2016 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

شروط جديدة للراغبين بشراء الوحدات العقارية على الخارطة

GMT 13:41 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

تراجع أعداد الحشرات يُهدّد بحدوث انهيار للطبيعة

GMT 00:46 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إبراهيم عيسى يؤكد أن حراسة النصر مسؤولية كبيرة

GMT 15:56 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

"سم العناكب" يعالج أحد أخطر أنواع السرطان

GMT 14:54 2018 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تطبيق الرسائل الخاص بـ"فيسبوك" يختبر ميزة جديدة

GMT 15:13 2015 الأربعاء ,28 كانون الثاني / يناير

عزيزة يدير ندوة عن مسرح سلماوي في معرض القاهرة

GMT 14:37 2015 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أمطار متفرقة على منطقة جازان في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates