ابن الجواهري

ابن الجواهري

ابن الجواهري

 صوت الإمارات -

ابن الجواهري

بقلم - إنعام كجه جي

في كتابه «ما ترك الشاعر للريح»، يأخذك الدكتور فلاح الجواهري في جولة طويلة حرّة من الخواطر والذكريات والتأملات والمصائر المضطربة. حال أبناء الشخصيات الاستثنائية التي لا تستقر على حال. فكيف والمؤلف نجل من لُقّب بشاعر العرب الأكبر؟

يستعيد العراقيون، هذه الأيام، ذكرى محمد مهدي الجواهري بمناسبة مرور ربع قرن على رحيله في دمشق. يطلقون اسمه على شارع في بغداد ويحيلون منزله متحفاً له. سيرة طويلة عريضة بتوهجها ومطباتها لرجل عاش 98 عاماً، رواها صاحبها في مذكراته والكثير من مقابلاته. فهل من مزيد؟ يضيء هذا الكتاب الصادر عن منشورات «ألكا» زوايا حميمة عن علاقة الشاعر بالمرأة، زوجة أو صديقة عابرة، ولقاءاته بغيره من كبار الأدباء العرب. لكن متعة هذه المذكرات لا تخصّ الجواهري بل ابنه.
أكمل الابن دراسة الطب في الاتحاد السوفياتي وقرر العودة إلى الوطن. كان ذلك أواسط الستينات، في عهد عبد السلام عارف، الرئيس الذي هجاه والده الشاعر بقصيدة سمّاه فيها «عبد حرب عدو السلام». هل سيُسمح له بالعمل أم يدفع ثمن الهجائية؟ عاد إلى بغداد وأكمل معادلة شهادته. كان عليه أن يقابل فلاناً الفلاني، مدير الخدمات الطبية، لحل مشكلة تتعلق بشرط الخدمة العسكرية. قيل له إن المدير من المقربين إلى الرئيس عارف. خفتت نشوته وتوجّس العراقيل. استقبله المدير بترحاب ودعاه للجلوس وطلب له القهوة. «كيف حال الوالد؟ أنا من عشاق شعره». يخبره أنه لا يستطيع تعيينه في المستشفى الجمهوري في بغداد لأنها للأطباء العشرة الأوائل. يعرض عليه أن يختار ما بين مستشفى الموصل التعليمي أو مستشفى البصرة.
يقول: «راجعت في ذهني ما جرى في الموصل. انقلاب الشواف والمجازر التي تلته، وأنا خريج موسكو وابن الجواهري». يحسم أمره ويختار البصرة. وخلال يومين كان أمر التعيين جاهزاً وموقّعاً من وزير الصحة. يأخذ القطار إلى المدينة التي كانت ثغر العراق البسّام. يكتب: قوبلت بأهلاً وسهلاً عند وصولي. لم يطرق مختار المحلة الباب عند الفجر ومعاون الشرطة يقف بجانبه. لم يتعقبني أحد في المنطقة ولا في تجوالي في أرجاء بغداد. لم أترصد ظلاً له بين الحاضرين في المقاهي والبارات. أين مظاهر «عبد حرب» المخيفة وبعبع «عدو السلام»؟
بعد أشهر قلائل، يشاء القدر العجيب أن تنقل سيارة إسعاف الدكتور فلاح، ذات فجر، مع زميل له إلى منطقة النشوة، قرب القرنة، لرفع جثمان الرئيس عبد السلام بعد اكتشاف موقع مروحيته المحطمة. ولا تتوقف العجائب عند هذا الحد. فقد كان من مسؤولياته، في وقت ما، علاج نزلاء سجن البصرة.
استدعيَ، ذات ليلة، لمعاينة حالة طارئة. قاده الحارس إلى مكان جانبي. فتح باباً وقرع الأرض بالتحية العسكرية. وجد نفسه في صالة وسيعة مفروشة بالوسائد الوثيرة، يتكئ عليها مدير السجن ورجال مهيبون تدور عليهم فناجين القهوة. يكتشف الطبيب أنهم سجناء سياسيون. بعثيون وشيوعيون. السجين والسجان جنباً إلى جنب في مضارب البصرة المسالمة السمحاء.
من هو المريض؟ يقف رجل ضخم يرتدي صاية وعباءة ثمينتين، يصافحه ويدعوه للجلوس بجانبه على الفراش الوثير. قام الطبيب بواجبه. قاس الضغط والحرارة ولم يجد علّة. الجميع يبتسمون والمريض يعتذر لأنه تآمر مع مدير السجن كي يتعرفوا عليه. يقول له: «أنت ابن الجواهري الحبيب. ابن من قال فينا: «سلامٌ على مُثقَل بالحديد - ويشمخ كالقائد الظافرِ - كأن القيودَ على معصميه - مفاتيح مستقبلٍ باهرِ».
ألقى السجين القصيدة الطويلة كاملة، يحفظها على ظهر قلب، والحضور يستزيدون ويهزون الرؤوس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ابن الجواهري ابن الجواهري



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates