بقلم - إنعام كجه جي
تعلَّقت بها طفلتاها، ذاتَ صباح، وهي تستعدُّ للخروج والذهاب لتصوير فيلم جديد. طلبتا منها البقاءَ معهما. حاولت أن تشرحَ لتوأمين في الرابعة من العمر، أنَّ عملَها يأتي لهما بالثياب والطعام. وكان الجواب: «لدينا فساتين كثيرة، ولسنا جائعتين».
في ذلك النهار، وهي في مصعد العمارة، اتخذت الممثلة الفرنسية مارلين جوبير قرار التوقف عن التمثيل. غادرت الشاشة، وهي اليوم في الثالثة والثمانين. تفرغت لتسجيل أسطوانات تحكي فيها قصصاً للأطفال. فن كان جديداً، ثم قلَّدتها كثيرات وبمختلف اللغات. باعت تسجيلاتها ملايين النسخ، وكانَ من بينها حكاية «السندباد البحري»، و«علي بابا والأربعين حرامياً».
بمناسبة مهرجان «كان» السينمائي الأخير، عادت مارلين جوبير عودة سريعة إلى الضوء. فقد اختيرت ابنتُها الممثلة إيفا غرين عضواً في لجنة التحكيم. سارت البنتُ على درب والدتها، وحقَّقت شهرة عالمية، بينما تفرغت البنت الثانية لتربية الخيول الأصيلة وزراعة الكروم. ليس بينهما من تمتلك جاذبية الأم. كانت مارلين مختصرة القامة، اشتهرت بشعرها الأصهب القصير، والنمشِ على الوجنتين. تبدو هشَّة لكنَّها وقفت نداً لعمالقة، من أمثال: إيف مونتان، ولينو فنتورا، وجان بول بلموندو، وجيرار ديبارديو، وتشارلز برونسون.
أذكرُها مع هذا الأخير في فيلم «مسافر المطر» للمخرج رينيه كليمان، عام 1970. شاهدناه في بغداد، سينما غرناطة؛ إن لم تخُنِّي الذاكرة. كانت تجرِّب فستانَ عُرسِها حين تلصَّصَ عليها رجل من النافذة. اقتحم بيتَها واعتدى عليها. تناولت بندقية صيد وقتلته ورمت جثتَه في النهر. كتمت السِّرَ وحضرت في اليوم التالي حفل زواجِها. ثم ظهرَ ذلك الأميركي الغامض، برونسون، ليهدِّدها بما كانت تخفيه.
من يعرف وجهَها الأصلي؟ إنَّ ما شاهدناه على الشاشة كان من عمل الجرَّاح. تعرَّضت مارلين جوبير لحادثِ سيارة، حين كانت ممثلة مبتدئة. ارتطم رأسُها بالزجاج وانفتحَ في وجهها جرحٌ بطول 13 سنتيمتراً. كرهت النظرَ إلى نفسها في المرآة. تصوَّرت أنَّها انتهت كممثلة؛ لكن جرَّاح التجميل أنقذها. هذا لم يمنع شائعات زعمت أنَّ سائق السيارة كان وزير المال الذي سيصبح، فيما بعد، رئيساً للجمهورية. فاليري جيسكار ديستان. وهي قد نفت ذلك في مذكراتها دون أن تنكرَ معرفتها بجيسكار. رأته ذاتَ مساء في أحد مطاعم تونس، وبعد العشاء دعاها للانضمام إلى مائدته لتناول القهوة. والحقيقة أنَّ الوزير الشاب كان قد اصطدمَ بالفعل بسيارة لنقل الألبان، وكانت بجواره ممثلة مغمورة اسمُها كاترين؛ لا مارلين.
في مقابلة مع مجلة «باري ماتش» قالت إنها منحت السينما كلَّ ما لديها؛ لكنَّها رفضت عروض العودة إلى الشاشة. لم تعد تحبُّ الكاميرات؛ لأنَّ الجمهور لا يميل لرؤية النجمات حين يوغلن في السنِّ؛ ولأنَّ الحفاظ على شكل جميل يحتاج لجهود. وهي تناور عمرها بالتمارين الرياضية ومراقبة طعامها. «نحن نصبح ما نأكله». وإذا قالت مارلين فصدِّقوها.