بقلم -فؤاد مطر
جدَّد الرئيس فلاديمير بوتين رئاسته للمرة الثالثة، بينما روسيا منشغلة البال بحرب مع أوكرانيا كان من اليسير بمكان حسمها، لولا أن الغرب الأميركي - الأوروبي تعامل مع هذه الحرب كجبهة تناصب العداء تطلعات روسيا بالسلاح والسياسة وقرارات عقابية مالية.
ولقد ألحق الموقف الغربي - الأوروبي المشاكس ثم المعادي الأذى بالتطلعات الروسية نحو استعادة الشأن الذي جُدد لرئيسه للمرة الثالثة، من منطلق أنه في سنوات الولايتيْن السابقتيْن كان الوطن قضيته، وكان الحرص على اعتبار القضية هذه تستوجب التضحيات، ولذا فإن بوتين لم يخض معركة انتخابية تقليدية ينافسه فيها آخرون، ربما لأن أياً من هؤلاء لا يتحمل عبء تداعيات حرب خاضها، وما زال الرئيس بوتين، فضلاً عن الشعور السائد لدى المواطن بأنه عندما يرتضي التجديد دورة ثالثة للرئيس بوتين، فلأنه يتقاسم مع هذا الرئيس الشعور بأن الوطن هو الأهم، وليس على الإطلاق الصراعات، كما الحال راهناً في الولايات المتحدة، وبنسبة محسوبة في إيران.
وأما البريطاني والفرنسي، فإنهما بالحرص على أن الوطن هو الأهم، اختار كل منهما في أحدث سباق انتخابي مَن يترجم خير ترجمة معقولة؛ أن الوطن هو الأهم.
وفي فترة زمنية متقاربة جدد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسته للمرة الثالثة، ومن دون تردد من جانب أكثرية المقترعين في أن يكمل الرئيس السيسي في سنوات ولايته الرئاسية الثالثة ما سعى من أجل تثبيته في الولايتيْن الرئاسيتيْن السابقتيْن. ولقد أثمر التجديد الذي ينطلق من شعور مشترك لدى المواطن المصري، كما لدى الرئيس الذي بدأت مصر مع ترؤسه العهد أكثر استقراراً؛ بأن الوطن هو الأهم.
في السياق نفسه، وعلى قاعدة الوطن هو الأهم، والمواطن ليس مهموماً إلى درجة اليأس، ستختار الجزائر عبد المجيد تبون رئيساً لها، على نحو اختيار موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني رئيساً لولاية جديدة. وفي الطريق إلى الخيار نفسه، هنالك الاستحقاق الرئاسي التونسي الذي بموجبه يجدد الرئيس قيس سعيد الرئاسة للمرة الأولى.
لا يعني الصراع الذي تعيشه الولايات المتحدة بين الرئيس جو بايدن الحالم بتجديد الولاية، ودونالد ترمب الحالم هو الآخر بنيْل الرئاسة، الذي أخفقوه في تجديدها، فتحول إلى أسد جريح لا تداوي جراحه الأوصاف المسيئة في حق بايدن، وإنما الذي يداوي هو فوز مبين... لا يعني ذلك أن صراع الاثنين كما الأطياف الناخبة لا يتصرفون، وسواء حصل أم أمكن بايدن الفوز، عكْس أن الوطن هو الأهم.
وحدهم في لبنان يتصرف أولو الأمر السياسي والحزبي، وفي أجواء من كيل التهم والشتائم لم يسبقهم إليها شتامون، في موضوع انتخاب من يترأس الجمهورية الخالية منذ سنتيْن، وفق القاعدة المعاكسة، وهي أن القيادات الحزبية، وبكل ولاءاتها (شيعية - مارونية - أرثوذكسية - كاثوليكية - بروتستانتية - سُنية - درزية - أرمنية)، تتصرف على أساس أن الوطن ملعب، وأنهم كمن في دوْري غير محدد الزمن في أجندتهم، لأن صاحب الأجندة أطياف خارج الحدود. ومن أجْل ذلك يبقى القصر الجمهوري في لبنان الوحيد بين قصور الرئاسة في العالم عبارة عن علَم لا يرفرف وكرسي رئاسي لا جليس عليه، ووطن متعارَك عليه من بني قومه الحزبيين... وبالذات من الطيفيْن الشيعي والماروني.