بقلم -فؤاد مطر
يعيش اللبنانيون الذين تصوِّب مراكز استطلاع وأبحاث ذات مصداقية على المستوى الدولي على أوضاعهم التي تراوح بين التعاسة وما هو دونها أحياناً، حالة من الطواف تبدو شكلاً نقيض الطواف الذي بدأتْه حركة «حماس» بعمليتها المفاجئة، لكنها أسست في الوقت نفسه ﻟـ«أم المآسي - الكوارث» الفلسطينية، ذلك أن ما أحدثتْه الحرب المنقوصة الأصول والشجاعة من جانب الجيش الإسرائيلي على مدى 6 شهور يساوي ما مُنيت به الحالة الفلسطينية على مدى ثلاثة أرباع قرن بدأت عام 1948، مع فارق أن صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كان أسطورياً.
يتمثل الطواف الذي يعيش اللبنانيون جولاته في مسعى عربي - أميركي - أوروبي، ومسعى لبناني كامل؛ حيث إنه يمثل لبنان الطوائفي... هو مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية. بدأ المسعى العربي - الدولي بشكل إفرادي كل دولة تسعى وحدها مع بعض الكيانات الحزبية ورموز المؤسسات الرسمية اللبنانية من حكومة غير مكتملة تحاول الصمود في ظل عجز غير محترم من جانب البرلمان اللبناني على الانعقاد وانتخاب رئيس للجمهورية بعدما خلا كرسي الرئاسة من جالسه الذي أمضى سنوات رئاسية أحدثت تشققات نوعية في الصيغة اللبنانية؛ وذلك لأن رئيس الجمهورية كان حاضناً ﻟ«حزب الله» تسديداً من جانبه لدور الحزب في ترئيسه. وبدل أن يكون انصراف الرئيس إيذاناً برئيس يمثل الموزاييك المجتمعي اللبناني، فإن خللاً نوعياً في المعادلة التقليدية حدث نتيجة استحواذ طائفة دون سائر الطوائف على ورقة الشأن العسكري، حيث إن «حزب الله» مقتدر تعبئة وعتاداً ما يوازي شأن الجيش الشرعي للدولة وربما أكثر، وعلى ورقة الشأن البرلماني المتمثل برئاسة للبرلمان حليفة للحزب وتنسقان معاً الشأن اللبناني وبالذات رئاسة الجمهورية، مستندين في ذلك إلى نجاحهما في سنوات مضت أكثرها أهمية سنوات الرئيس الجنرال ميشال عون.
بعد بضعة أشهر من تعجيز مجلس النواب اللبناني عن تأدية الدور المنوط به وكثرة التراشق الكلامي بين أطياف حزبية وسياسية ارتأت أطراف دولية وعربية القيام بمسعى غير مسبوق ماضياً في أي دولة. كان هذا الدور إفرادياً بحيث تبذل كل دولة ما تراه يفيد، ثم ارتأت الدول الخمس الأكثر اهتماماً بلبنان مكتمل المناصب السيادية وبالذات رئاسة الجمهورية تفعيل السعي لعله يثمر وفاقاً فينتج رئيساً. وأُسندت مهمة المتابعة إلى السفراء. وهكذا بات سفراء الدول الخمس المهتمة بالملف اللبناني (السعودية، مصر، قطر، فرنسا، الولايات المتحدة) يخوضون جولات من الاجتماعات تلتها لقاءات بولاة أمور الحكومة غير المكتملة والبرلمان المتعثر وأباطرة الأحزاب المتشنجة والمرجعيات الأمنية إلى جانب زيارة البطريرك الماروني.
وإذا أجيز لكاتب مثل حالي يراقب الطواف الدبلوماسي، ويقرأ باهتمام ما بين سطور تصريحات هذا السفير أو تلك السفيرة، وكلام رفاقهم الثلاثة الآخرين، الاستنتاج فهو أن حُسن النيات لا يطعم خبزاً على نحو المثل السائر، وأن توسيع المجموعة بحيث تضم سفير الصين وسفير روسيا قد يجدي نفعاً رئيسياً جديداً يملأ الفراغ الذي لا مثيل له في جمهوريات العالم، وهو ليس نتاج فعل ديمقراطي على أساس أن حرية الرأي كما التعطيل مشهود بها للبنان، وإنما هو نتاج خلطة ديمقراطية - ديكتاتورية، أو إذا جاز التحديد بتسمية واحدة إن النتاج هو فِعْل «ديموتوري» أي ديمقراطي بتوليفة ديكتاتورية. وفي هذه الحال قد تكون لزيارة تقوم بها اللجنة الخماسية إلى الأمين العام ﻟ«حزب الله» في الضاحية فعل السحر في حل تعويذة تعطيل انتخاب وليس تعيين رئيس للجمهورية اللبنانية. وهذه الزيارة ممكنة إذا ارتأى الأمين العام لـ«حزب الله، استقبال السفراء الخمسة كما استقباله آخرين أحياناً من بينهم «الرئيس ترشيحاً» سليمان فرنجية ثم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وحديثاً استقباله وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان والوفد المرافق له، وتلا ذلك في أكثر من مرة استقبال بعض قادة حركة «حماس» الذين لهم في كنف الحزب مساحة رحبة. وأما إذا كانت الزيارة المشار إليها غير ذات ترحيب فهذا يثبت ما نشير إليه في شأن عقدة استحالة الحل أو تعطيله بفعل «ديموتوري»؛ أي تكراراً ديمقراطية في التخريج تحت وطأة ديكتاتورية في فرض الموقف الواحد والشخص الذي لا غيره رئيساً للجمهورية، فإن إشراك سفير إيران وسفير الصين وسفير روسيا من شأنه تيسير الأمور، إذ كيف ستنطلق سيارة المسعى الخماسي إذا كان هنالك جدار صلب أمام إنجاز الواجب المأمول إنجازه، ويتشوق إلى سماع خبر مفرح في شأنه الشعب اللبناني الذي يكابد من تداعيات العبث «الديموتوري» بأحواله في انتظار عائد معجزة الطواف من جانب اللجنة الدولية في حال باتت الخماسية ثُمانية.
والحديث عن الطواف الدبلوماسي وما المأمول منه، يتلازم مع طواف غير مسبوق في الحياة السياسية اللبنانية بالزخم الذي تحدُث فيه محطاته منذ أكثر من سنة، ويتولاه مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية. وهذا الطواف الذي بدأت محطاته بعدما تولى الصحافي المخضرم جوزف القصيفي منصب النقيب، ويحاول منذ توليه المنصب النقابي أن يكون للنقابة دور في العمل الوطني، وجاءت أزمة الرئاسة المستعصية الحل بمثابة دعوة إلى النقابة لتؤدي كما نقابة المحامين على سبيل المثال دوراً في التنوير والإضاءة على المواقف، ومن خلال طواف مجلس النقابة بكامل أعضائه التسعة وليس اختصاراً في شخص النقيب على المرجعيات.
وفي إطار التجرد، وبالذات ما نشأ عن لقاء مجلس النقابة بالبطريرك الراعي ورئيس البرلمان نبيه بري، ارتسمت في أفق الأزمة - المحنة رؤى كانت غير مكتملة الوضوح، وكذلك على سبيل المثال لا الحصر ما خرج به مجلس النقابة من لقائه بالوزير السابق سليمان فرنجية الذي لا يريد «حزب الله» غيره رئيساً للجمهورية، وتلك أبرز نقاط التعقيد في الأزمة. والذي حدث أن فرنجية حسم في لقاء مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية ما كانت اللجنة الخماسية تتطلع إلى حسمه من فرنجية وبالذات تأكيده حاسماً الترشح لرئاسة الجمهورية، وقوله: «أنا مع اتفاق الطائف، وأي ثغرات تعالَج بالتوافق. أنا ضد التقسيم. لا (فيتو) من جانب أميركا أو السعودية على اسمي».
اعتدنا بوصفنا صحافيين أن نقابل أهل السياسة والمرجعيات الحزبية الفاعلة وكذلك المرجعيات الأمنية لننقل إلى صحفنا كلاماً أو معلومة أو تصريحاً ننشره. ما ارتأى جوزف القصيفي المتمرس والمتجرد أن يترقب أهل السياسة ما يصدر عن طواف مجلس نقابة محرري الصحافة من معلومات أو تصريحات استقوها من طواف بين الحين والآخر يقوم المجلس به وضمن رؤية أن لهذه النقابة دوراً وطنياً وليس فقط واجباً نقابياً.
عسى، ولعل الطوافين الدبلوماسي مكتملاً والنقابي الصحافي مندفعاً يثمر كل منهما ما يبدد الانطباع بأن درجة لبنان في البؤس مدعاة للأسى؛ حيث إنه وفْق «مؤشر هانكي للبؤس العالمي» لعام 2023 هو الثالث بين أكثر دول العالم بؤساً عربياً، والأول بعد الأرجنتين ثم فنزويلا. ويلي لبنان سوريا، وزيمبابوي، والسودان.