هل الشعراء في كل واد يهمون، ويقولون ما لا يفعلون؟! أعتقد أن هذا صحيح –ويستحقون أن أطلق عليهم مسمّى: ملوك التناقض، وللاختصار إليكم نموذجين كمقدمه:
فابن المعتز يقول:
وحلاوة الدنيا لجاهلها
ومرارة الدنيا لمن عقلا
بينما المتنبي يقول:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
ولكن وبما أن شهر رمضان الفضيل قد أقبل علينا، فدعونا من هذا الهرج والمرج، وعلينا أن نرفع كفوف الضراعة أن يساعدنا الله على قضائه، فهو الشهر الذي فتحت فيه أبواب الجنّة، وأغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين.
وقد قال أحد الشعراء الزهاد الذي لا نشك في كلامه:
إن شهر رمضان مضمار
الاشتياق إلى رضا المعبود
حلبة خيلها الصيام مع النسك
وأخطارها جنان الخلود
غير أن هناك شاعرا آخر لا أستسيغه ولا ينزل لي من زور –مثلما يقولون إخواننا أهل مصر - يتغنى بالشهر على طريقته الخاصة الفجّة، ويقول:
شهر الصيام وإن عظمت حرمته
****
يمشي رويداً فأما حين يطلبنا
فلا السليك يدانيه ولا السُّلكه
كأنه طالب ثأرا على فرس
أحدٌ في إثر مطلوب على رمكه
وأعقل وأفضل منه بمراحل شاعر قال:
قد تعدوا على الصيام وقالوا
حرم الصب فيه حسن العوائد
كذبوا فالصيام للمرء مهما
كان مستيقظاً أتم الفوائد
موقف بالنهار غير مريب
واجتماع بالليل عند المساجد
ونوعاً ما أتعاطف مع شاعر آخر قال هذين البيتين:
شهر الصيام مشاكل الحمام
فيه طهور جوامع الآثام
فاطهر به واحذر عثارك إنما
شر المصارع مصرع الحمام
وأظن أن ذلك الشاعر كان صادقا تمام الصدق عندما ذكر خطورة الحمام، لأن لدي صديقا مهووسا بالنظافة الزائدة عن الحد، فعند قدوم الشهر الفضيل، دخل الحمام وهات يا دعك ويا فرك بالصابون وهو واقف، ومن شدة حماسته زلقت قدمه ووقع على نافوخه وتهرشمت بعض أسنانه، ونقلوه على عجل إلى المستشفى. وزرته في اليوم الثاني وهو ممدد على السرير لا يستطيع الكلام وبالكاد يفتح عينيه، فضحكت في وجهه تخفيفاً له، ولسان حالي يقول: تستاهل وتاكل غيرها. غير أن ضميري أنبني بعد خمس دقائق عندما تذكرت رجلاً هابقا يعرفه كلانا، فأردت أن أخرج صديقي الطريح على الفراش من حالته النفسية، فقلت له: إنك أبرك من ذلك الرجل عندما خاطب رمضان قائلاً:
فليت الليل فيك كان شهرا/ ومر نهارك مر السحاب
فتبسم ولم تعجبني ابتسامته بأسنانه المتهرشمة.