أميركا عشية عيد الاستقلال

أميركا عشية عيد الاستقلال

أميركا عشية عيد الاستقلال

 صوت الإمارات -

أميركا عشية عيد الاستقلال

بقلم - إميل أمين

 

غداة الأعياد بشكل عام يتذكر الجميع بيت الشعر الشهير لأبي الطيب المتنبي:

عيد بأي حال عدت يا عيد ....بما مضى أم بأمر فيك تجديد

هل يمكننا ترديد البيت عشية عيد الاستقلال الأميركي الذي يوافق الرابع من يوليو تموز من كل عام؟

يبدو التساؤل في حقيقة الأمر مغريا للبحث عن الجواب، لا سيما في ظل التغيرات المثيرة والخطيرة في آن واحد، والتي تجري بها الأقدار في الداخل الأميركي أول الأمر، وفي علاقاتها بالعالم الخارجي تاليا.

مع بداية عام جديد يتساءل المراقبون الثقات: "هل هذه هي أميركا التي عمل الآباء المؤسسون من أجلها، أم أنها تحولت إلى جمهورية أخرى لا يعرف أحد على وجه التحديد مستقبلها ومآلاتها؟

تبدو الروح الأميركية منقسمة على ذاتها بصورة لم تحدث من قبل، والصراع المجتمعي يضرب في أنحاء الدولة – الإمبراطورية، وعلى أصعدة متعددة، الأمر الذي يخشى معه الكثيرون أن تتحقق توقعات عالم الاجتماع النرويجي الأشهر، يوهان غالتونغ، بشأن تفكك الاتحاد الذي يجمع الولايات المختلفة بحدود العام 2025.

ولعل الظاهرة التي باتت مخيفة إلى حد الفزع، تلك الموصولة بفائض العنف، الكامن تحت الجلد الأميركي منذ البدايات، والذي تفجرت ينابيعه المسمومة في الآونة الأخيرة، عبر حوادث القتل والترويع، ولم يسلم منها يوم الاستقلال، فقد شهدت مدينة شيكاغو قتل نحو ستة أفراد وجرح آخرين خلال الاحتفالات الاثنين الماضي، وفي فيلادلفيا مساء اليوم عينه كان بعض من ضباط الشرطة يتلقون رصاصات مشابهة.

تقف إدارة الرئيس بايدن عاجزة عن إلغاء التعديل الثاني من الدستور الأميركي، ذاك الذي يكفل للأميركيين حمل السلاح، وجل ما يمكن فعله هو تشديد الإجراءات اللازمة للحصول على التراخيص، وتغليظ العقوبات، فيما تظل الأسلحة الشبحية، مهددا قائما وقادما لحالة السلم الأهلي في ربوع البلاد.

الحديث المتقدم يقودنا ولا شك إلى المتكلمين عن الصراع الأهلي الأميركي، وهل الأمر مجرد رطانة لغوية، أم حقيقة عملية قابلة للتفاعل بشكل مقلق ومهدد لمستقبل أميركا.

باختصار غير مخل، يمضي العنف في الداخل عبر مسارين، الأول فردي، وما يمكن أن نطلق عليه، نظرية الذئاب المنفردة، وهذه باتت ومن أسف ضالعة في الكثير من الجرائم، كما في حادث بافلو الأخير، وبعضها الأخر تنظيمي ويخشى أن يكون بداية لتعاظم شأن الميليشيا الأميركية اليمينية، والكثير منه تعلو أصواته مؤخرا مطالبة بانفصال عن الاتحاد الفيدرالي للبلاد، كما رأينا مؤخرا في عدد واسع من الجمهوريين في تكساس.

قد يبدو العنف في الداخل الأميركي واضحا من منظور الحادثة، فيما الأكثر هولا هو عدم الانتباه إلى الأبعاد الأخرى المختبئة في حنايا المشهد، ذات العلاقة بالصراع الهوياتي والعرقي، وهذه هي الكارثة.

في مؤلفه الأخير المعنون "والليبرالية وسخطها"، يصف المفكر الياباني الأصل الأميركي الجنسية، فرنسيس فوكاياما، الولايات المتحدة الأميركية بأنها: "في وضع غير جيد"، وقد وضح بما يكفي قبل نحو عامين في مؤلفه الخاص بالهوية، مستقبل التضاد القائم في الروح الأميركية، لا سيما بين تيارين، الأول تمثله الجماعة البيورتيانية، أي جماعة الواسب الأميركي، البيض الأنجلو ساكسون البروتستانت، وهؤلاء باتت لديهم مخاوف هائلة من أن يضحوا أقلية في العام 2040، وفي المقابل نجد التيار الثاني المعروف باسم الجاكسونيين، نسبة إلى الرئيس الأميركي أندرو جاكسون، الرئيس السابع للبلاد (1829-1837)، وارتبط اسمه بالتطهير العرقي، وإزاحة الهنود الحمر من مواقعهم ومواضعهم، الأمر الذي جعل الكثير من المؤرخين لأميركا يعتبرونه رئيسا فاشيا.

هذا التيار يسعى إلى تجذير الهويات العرقية من جديد في عموم البلاد والأخذ بفكرة الأصول والجذور التاريخية لكل جماعة ساهمت في تكوين الجمهورية الأميركية، ما يجعل فكرة المواجهة القائمة على أبعاد مغايرة للمواطنة أمر ممكن، ومن هنا يبدأ الصراع العرقي ومن ثم الأهلي في عموم الدولة.

تدخل الولايات المتحدة الأميركية عاما جديدا من عمر استقلالها عن الاحتلال البريطاني، فيما جموع الأميركيين تعتريهم حالة غضب تاريخي من المؤسسة السياسية في البلاد، بدءا من الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي، مرورا بالكونغرس الذي يتدنى أداؤه بصورة واضحة، وصولا إلى البيت الأبيض الذي فقد حضوره في أعين الأميركيين، لاسيما في ظل إدارة باهتة ضعيفة لا تعرف من أين تبدأ، وبالضرورة لن تدرك إلى أين يمكن أن تمضي.

فقدت واشنطن الكثير من حظوتها في أعين مواطنيها في الداخل، وفي تقدير شعوب العالم الخارجي، حتى إن فكرة المدنية فوق جبل قد تعثرت بصورة واضحة، ولم يعد الحلم الأميركي مهيمنا أو مسيطرا على عقول البشر من أقصى الشرق إلى أدنى الغرب، وقد كاد مشهد حصار الكونغرس من قبل الجماعات اليمينية المختلفة، نهار السادس من يناير عام 2021 أن يتسبب في اندلاع حرب عالمية نووية مع الصين.

هل أزمة أميركا إيديولوجية فقط أم مادية من ناحية أخرى؟

بالقطع لا تبدو الأوضاع الاقتصادية مبشرة، لا سيما في ظل التضخم والكساد والركود، وفي ضوء قرارات سياسية مثيرة للتعجب مثل قطع استيراد المحروقات من روسيا، الأمر الذي انعكس بصورة سلبية على حياة المواطن الأميركي، وترك أثرا سلبيا واضحا على الطبقة الأميركية المتوسطة بنوع خاص.

ويبقى المصير الذي ينتظر الإمبراطوريات تاريخيا خلف الباب، منتظرا أن يتسيد على الولايات المتحدة، من خلال ظهور أقطاب دولية جديدة، ونهاية زمن النظام العالمي الجديد لصاحبه جورج بوش الأب، النظام الذي انفردت فيه الولايات المتحدة بمقدرات القيادة والريادة العالمية.

ما الذي يتبقى قبل الانصراف؟

لا يعني ما تقدم أن أميركا عاجزة عن تقويم أوضاعها المعوجة، ذلك أن أفضل ما في النسق الأميركي، هو القدرة على النقد الذاتي، والنقد بحسب جورج هيجل، أعظم نعمة أعطيت للعقل البشري.

في الأسابيع الأخيرة بدأت مؤسسات استطلاع الرأي ترصد حالة من الرفض الشعبوي، قبل النخبوي، من الأميركيين لكل من جوزيف بايدن، ودونالد ترمب، كمرشحين للرئاسة 2024، ما يعني أن هناك حالة مراجعة داخلية، ومحاولة بحث جادة عن وجوه تتجرأ على الأمل في استنقاذ البلاد والعباد، لكن شريطة أن يكون تجرؤها حقيقيا، واقعيا، صادقا، غير منحول أو مكذوب كما في حال باراك أوباما.

هل ستجتاز الولايات المتحدة محنتها في حاضرات أيامنا؟

الليالي الأميركية دائما حبلى بالمفاجآت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا عشية عيد الاستقلال أميركا عشية عيد الاستقلال



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 16:12 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خليفة و بن راشد وبن زايد يهنئون رئيس بنما بذكرى الاستقلال

GMT 13:59 2015 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

تصاميم على شكل الماس لحقائب "إن إس باي نوف"

GMT 10:32 2016 الجمعة ,04 آذار/ مارس

لوني شتاءك بأجمل موديلات الأحذية الـ Pumps

GMT 01:32 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عيش الرفاهية في فنادق ومنتجعات الجميرا الفخمة

GMT 01:28 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

«بنتلي» تفوز بلقب الشركة الأكثر تقديرًا في بريطانيا

GMT 23:18 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

الزمالك يهزم بتروجيت في دوري كرة الطائرة المصري

GMT 19:14 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على خطوات رئيسية لترتيب خزانة ملابسكِ الخاصة

GMT 11:52 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

6 أفكار أنيقة مميزة لزينة حفلات الزفاف

GMT 07:51 2013 السبت ,27 تموز / يوليو

جمال كامل فرحان يصدر رواية "كان ردائي أزرق"

GMT 04:48 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

رواية "الجنية" تمزج الواقع بالخيال بشكل واقعي

GMT 19:29 2013 الأربعاء ,22 أيار / مايو

خيبة المثقف في"طائف الأنس" لعبدالعزيز الصقعبي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates