واشنطن وإعادة بناء عالم أفضل

واشنطن وإعادة بناء عالم أفضل

واشنطن وإعادة بناء عالم أفضل

 صوت الإمارات -

واشنطن وإعادة بناء عالم أفضل

بقلم - إميل أمين

هل الولايات المتحدة الأميركية قادرة بالفعل على صياغة عالم أفضل، سواء كان ذلك بمفردها، أو بالتعاون مع بقية العالم الديمقراطي الحر كما ترتئيه؟

علامة الاستفهام المتقدمة ارتفعت الأسبوع الماضي على هامش قمة مجموعة السبع التي عقدت في بافاريا بألمانيا، والتي فيها طرح الرئيس الأميركي جو بايدن خطة تنموية عالمية، تبلغ قيمتها نحو 600 مليار دولار، توجه بنوع خاص للعالم النامي.

عدة أسئلة طرحت على هامش تلك القمة الحيوية والمفصلية في توقيت مثير وحساس يتعلق بالمواجهة الغربية الآسيوية، وفي المقدمة منها قصة الاهتمام الأميركي المفاجئ بالعالم الثالث وربما الرابع، وهل فجأة تحولت واشنطن إلى سامري صالح، يقوم على خدمة الآخرين في أوقات المحن والنوازل، أم أن البراغماتية الأميركية التقليدية لا تزال كامنة في خبايا الصدور الأميركية، ولن يمكنها التخلص منها إلى الأبد.

طويلا جدا جاهرت واشنطن بأنها نموذج للمدينة فوق الجبل، أي تلك التي تنير للعالم بأضواء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وربما كان لانتصارها خلال الحرب العالمية الثانية دور واضح في تعظيم هذا النموذج، وهناك من اصطف إلى جانبها بشكل كبير طوال سنوات الحرب الباردة، ولا ينكر أحد أن المساعدات الاقتصادية التي قدمتها إلى أوروبا بعد تلك الحرب الكونية، خاصة مشروع مارشال، قد لعبت دورا واضحا في الربط بين الحضور الأميركي والتنمية والازدهار كوكبيا، ودرج الناس على رؤية العلامة الشهيرة لليد الأميركية الممدودة إلى يد أخرى تمثل شعوب العالم، كتعبير عن أهمية ما تقوم به واشنطن بالفعل، في رسم صورة مغايرة لعالم مختلف.

على أن العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، خلفا وراءهما صورة مغايرة للولايات المتحدة الأميركية في أعين الناس، فقد أضحت واشنطن قوة استعمار، ربما للمرة الأولى بهذا الوضوح في تاريخها، وذلك من خلال غزو أفغانستان ثم العراق.

قبل الغزو كانت طغمة المحافظين الجدد قد رسمت علامات مثيرة لهيمنة أميركية عالمية، عبر ما عرف وقتها بوثيقة القرن الأميركي، والتي تفيد بحتمية سيطرة واشنطن على مقدرات العالم، وعدم السماح لأي قوة دولية أخرى أن تتحول إلى قطب مناوئ أو منازع لها، في سيطرتها على البسيطة برمتها.

في العام 2010 تمت بلورة رؤية استراتيجية أميركية عرفت باسم الاستدارة نحو آسيا، كان هدفها الرئيس وقف القوة الروسية المتنامية من جديد، خاصة في عهد بوتين من جهة، وقطع الطريق على الصين التنين القادم بقوة ومن غير أدنى مقدرة على إيقافه من جهة ثانية.

مضت الصين وراء مقولة الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت، الشعوب تمشي على بطونها، وعرفت أن المدخل الحقيقي لأي دولة أو شعب، القروض والمنح والهبات المالية، حتى وإن كانت استعمارا مقنعا، وأموالا ساخنة تزيد أعباء الديون على الملهوفين والمضطرين تحت ظروف الفقر والحاجة إلى تقديم أي تنازلات.

عبر عقدين من الزمن انشغلت الولايات المتحدة الأميركية بقصص عديدة في قمتها، مكافحة الإرهاب، الأمر الذي حدا بأحدهم للقول، إن الصين مدينة للذين شغلوا تفكير أميركا عن التنمية بمطاردة فلول الإرهابيين ووضع الخطط التي تستنزف المزيد من الموارد الأميركية، بينما كانت بكين تراكم فوائض الأموال، وتضاعف أرباح تجارتها مع العالم شرقا وغربا، لا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية عينها.

لم تضع الصين في رأس أولوياتها قصة سباق التسلح، كما فعل الاتحاد السوفيتي طوال سنوات الحرب الباردة، الأمر الذي قاده إلى الانهيار ماليا من الداخل، قبل أن تحين أزمنة التفكك والتفسخ.

اهتمت الصين أول الأمر ببناء إمبراطورية اقتصادية، وهي أولى المراحل التقليدية لتكوين القوى العظمى، وها نحن نراها تستهل الخطوة الثانية في طريق قمتها الكونية، أي بناء القوة العسكرية اللازمة للذود عن ممتلكاتها والدفاع عن مصالحها خارج التراب الوطني.

للصينيين ميزة تاريخية، وهي الصبر الطويل، إنهم أمة تاريخها يصل إلى خمسة آلاف سنة، ولهذا يمضون بخطوات بطيئة لكنها ثابتة على الأرض، واليوم يستمع العالم من فم "وي فنغي"، وزير الدفاع الصيني في سنغافورة منذ بضعة أسابيع لخطط الصين النووية، الكفيلة بردع من يفكر في تهديد ما تراه جزءا منها، كما الحال في جزيرة تايوان، تلك التي تدعمها واشنطن، فيما ترى الصين أنها جزء من أراضيها التاريخية، ولا يمكن التنازل عنها.

من أضابير تاريخها الطويل، عادت الصين إلى العالم بطرح مثير للتفكر والتدبر، طريق الحرير القديم، شريان التجارة العالمي، الذي ربط الصين بالكثير من البقاع والأصقاع، والقادر على خلق عالم اقتصادي مختلف عن هيمنة الرأسمالية الغربية، برأس حربتها الأميركية .

يوما تلو الآخر يتكشف للولايات المتحدة أن الصين قادرة على ملء الكثير من مربعات النفوذ الأميركية التقليدية، ولهذا جاءت الخطوة التي أعلنها جو بايدن، أي فكرة مشابهة لمارشال القديم، من أجل تنمية العالم الذي يعاني من صعوبات اقتصادية.

هل من هدف حقيقي للطرح الأميركي؟

الهدف باختصار هو خلق طريق مواز لما تسعى الصين في إثره، بل وقطع الطريق عليها، من خلال عناوين براقة مثل حماية البيئة، خفض أسعار الأدوية، تقديم اللقاحات المطلوبة بشكل عاجل، المساهمة في تشييد البنى التحتية، وغيرها من الأفكار المشابهة.

منذ بداية الأزمة الأوكرانية، قلنا إن روسيا هي الهدف التكتيكي، فيما الصين تبقى الهدف الاستراتيجي، وهو ما تبين جليا في قمتي السبع والناتو.

السؤال الأخير قبل الانصراف: "هل يثق العالم في الطروحات الأميركية، وهل هذه الفكرة ناجعة بالفعل ويجب تنفيذها؟

أولا: وبحسب وكالة بلومبرغ، فإن الحلفاء الأوروبيين يشكون في مقدرة إدارة بايدن على إنجاز خطط عالمية، بسبب الصعوبات التي تواجهها في الداخل.

ثانيا: هناك في الداخل الأميركي من ينكر على أميركا محاولة تقليد مبادرة الحزام والطريق الصينية، مثل تشارلز كيني وسكوت موريس، من مركز التنمية العالمية في واشنطن وعندهما أنه بدلا من محاولة التغلب على الصين، تحتاج أميركا إلى الالتزام من جديد برؤية لازدهار كوكب الأرض من خلال التعاون العالمي، والانفتاح، والشفافية، وتكافؤ الفرص.

فات أوان بناء العالم بشكل منفرد.. إنه وقت العمل الجماعي وعلى واشنطن متابعة الحلف الدولي الجديد والوليد، بريكس بلس، ماذا عن هذا؟

إلى قراءة قادمة بإذن الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن وإعادة بناء عالم أفضل واشنطن وإعادة بناء عالم أفضل



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates