ميدفيديف وأوان «البانوبتيكون» السياسي

ميدفيديف وأوان «البانوبتيكون» السياسي

ميدفيديف وأوان «البانوبتيكون» السياسي

 صوت الإمارات -

ميدفيديف وأوان «البانوبتيكون» السياسي

بقلم:إميل أمين

مرة جديدة يعلو صوت الرئيس الروسي السابق، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي الحالي، ديمتري ميدفيديف عبر قناته الخاصة على موقع «تلغرام».

طوال عامين عُدّ ميدفيديف، الصوت الهرمجدوني لروسيا الاتحادية، أي الرجل الذي ينذر ويحذر من الرد النووي الروسي الذي لا يُصَد ولا يُرَد.

عدّه البعض في الدوائر الغربية، رجل التهويمات، غير أنه قبل أيام استحضر رؤى من عمق الماضي، وبالتحديد منتصف القرن الثامن عشر، وحديث «البانوبتيكون السياسي»، لصاحبه الفيلسوف الإنجليزي الأشهر جيريمي بنثام (1748 - 1832).

ميدفيديف يبدو في مداخلته الأخيرة كمن يبعث برسالتين للدوائر الغربية، واحدة تتعلق بالصراع العسكري الدائر مع أوكرانيا في عامه الثاني، وبخاصة في ظل المستجدات الغربية، وأحاديث أوروبية وأميركية عن تدخل عسكري مباشر، والأخرى موصولة بعالم الحريات الغربية المنحولة، حسب تقديره، رداً فيما يبدو على الاتهامات المتكالبة التي تنهال فوق رأس القيصر بوتين، بعد الموت المفاجئ، للمعارض الروسي أليكسي نافالني، صباح مساء كل يوم.

يرى رجلنا أن «البانوبتيكون السياسي الغربي»، يثير الشفقة والأسى في النفس، وهو مضحك في بعض الأحيان، لكنه ينذر بالسوء في أحايين أُخر.

لغة غريبة وتبدو كالطلاسم، لا سيما للذين لا دالة لهم على الفلسفة الأوروبية القديمة، لا سيما أن المصطلح يعني مراقبة opticon الكل pan؛ ما يفيد بمراقبة الواحد للكل، والفكرة كما أسلفنا أطلقها بنثام، وتعني مقدرة شخص واحد أن يراقب الجميع، دون أن يكون هؤلاء قادرين على معرفة ما إذا كانوا مراقبين أم لا، وبهذا المعنى، السجن يصبح نموذجاً لجميع مؤسسات الضبط في القرن التاسع عشر.

هل يمتد عمل «المراقب الواحد الماورائي»، إلى العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين؟

غالب الظن أن هناك قضية ساخنة وخطيرة، بدت متخفية وراء تصريحات ميدفيديف، وغالباً لها صلة بقصة جنرالات الجيش الألماني، الذين استطاعت الاستخبارات الروسية، الحصول على تسجيلات صوتية لهم يناقشون فيها إمكانية تفخيخ جسر القرم، على الرغم من أنهم بدوا مؤخراً غير قادرين على التعامل مع الحوثي في البحر الأحمر؛ إذ انفجرت صواريخ الفرقاطة الألمانية لحظة إطلاقها بعدما أطلقت صواريخها باتجاه عكسي عن الهدف.

يثير ميدفيديف أزمة زيارات القادة الغربيين إلى أوكرانيا في الوقت الحاضر، ويعدّها نوعاً من أنواع المراقبة السياسية للمشهد، وقد وصف هؤلاء بالمهرجين في المسلسلات المتلفزة، الذين لا ينفكون بعد دخولهم دولاب الحكومات، أن يتحولوا قادة يوجهون القوات ويتحكمون في حياة الملايين من الناس البائسين، ويرسلونهم إلى الموت المحتوم.

ميدفيديف بدا أكثر تصريحاً، منه إلى التلميح، لا سيما بعد أن ذكر من سماهم المعتوهين في السيرك البرلماني لبلد الفاشية المهزومة الذين جلسوا في الرايخستاغ، مطالبين بإرسال صواريخ بعيدة المدى إلى النازيين الجدد، على حد تعبيره.

المثير والخطير في كلام صاحبنا، أنه يلمح إلى المخاطرة الجدية بسقوط صواريخ فوق رؤوس هؤلاء ذات مدى أبعد وفاعلية أقوى، وهو أمر يمكن ترجمته إلى مدلولات خطيرة، لا سيما في ضوء إعادة نشر موسكو الرؤوس النووية في طول البلاد وعرضها، خلال الأسبوعيين الماضيين وبما يحمل على القول بأنها الجهوزية التي تكاد تستبق المواجهة.

حديث نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، لا يتوقف عند حدود ألمانيا فحسب، بل يطال فرنسا، وأحفاد بونابرت الذين يحاولون ارتداء الكتفيات الذهبية التي تم تمزيقها قبل مائتي عام، في إشارة إلى هزيمة نابليون التاريخية من جانب روسيا القيصرية.

كلمات ميدفيديف تحمل رداً عاصفاً على أفكار فرنسية ترددت مؤخراً بشأن إنزال قوات بعض دول «الناتو» في أوكرانيا، وكذلك تقديم أسلحة جديدة لضرب روسيا؛ الأمر الذي يظهر كل يوم كأمثلة دامغة على تفسخ أدمغة السياسيين الغربيين.

الرسالة الثانية التي حملتها استعارة «البانوبتيكون»، رداً على مزاعم الطهرانية الغربية، والحريات الغنّاء الأميركية، تفيد بأن الزيف يشمل المشهد برمته، وعلى غير المصدق أن يراقب الجهود التي تقوم بها إدارة الرئيس بايدن من أجل تمديد تشريع يسمح للحكومة الفيدرالية بتتبع الاتصالات والرسائل عبر الإنترنت الخاصة بمن يشتبه بهم في قضايا الإرهاب والتجسس.

هل ميدفيديف على حق؟

في تقرير أخير لها، تقطع صحيفة «الوول ستريت جورنال»، بأن هناك معارضة متزايدة من كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، لفكرة «السجن البانوبتيكوني الأميركي»، لا سيما مع اقتراب موعد انتهاء العمل بالبند رقم 702 من قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية، ذاك الذي ينضوي تحته برنامج «بريزم» لتتبع الاتصالات الرقمية للأجانب خارج أميركا، ويعترض اتصالات بين الأميركيين في الداخل، وأجانب يقيمون بالخارج.

دعونا لا ننسَ أن ميدفيديف، هو المؤتمن من بوتين سابقاً على مقعد الرئاسة، والمقرب منه بدرجة صديق؛ ما يعني أنه يرى القبول بمخططات الغرب «خيانة بروتوسية» غير مقبولة بالمطلق.

أوائل يوليو (تموز) الماضي نشر ميدفيديف تسجيلاً مصوراً قال فيه: إنه «يمكن إنهاء أي حرب، حتى الحرب العالمية بسرعة، وذلك عن طريق من اثنين، فإما عبر اتفاقية سلام، أو من خلال تكرار ما فعلته الولايات المتحدة عام 1945، أي باستخدام الأسلحة النووية».

هذه المرة يختتم ميدفيديف بثه «التلغرامي» بكلمات أبوكلابسية فيها «وإذا بحصان شاحب واسم راكبه الموت»... من يفك أختام سفر ميدفيديف؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ميدفيديف وأوان «البانوبتيكون» السياسي ميدفيديف وأوان «البانوبتيكون» السياسي



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 10:18 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كارينا كابور في إطلالة رشيقة مع أختها أثناء حملها

GMT 15:51 2019 الإثنين ,13 أيار / مايو

حاكم الشارقة يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل

GMT 15:56 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت

GMT 12:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

قيس الشيخ نجيب ينجو وعائلته من الحرائق في سورية

GMT 11:35 2019 الخميس ,09 أيار / مايو

أمل كلوني تدعم زوجها بفستان بـ8.300 دولار

GMT 08:09 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يُثني على النجم أبو تريكة ويعتبره نجم كل العصور

GMT 19:44 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

"شانيل" تبتكرُ قلادة لؤلؤية بطول 60 قدمًا

GMT 16:32 2018 الجمعة ,28 أيلول / سبتمبر

كنيسة قديمة تتحول إلى منزل فاخر في جورجيا

GMT 16:59 2018 الثلاثاء ,10 تموز / يوليو

جاكوبس تروي تفاصيل "The Restory" لإصلاح الأحذية

GMT 17:32 2013 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مقتل صاحب إذاعة موسيقية خاصة بالرصاص في طرابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates