الأمل الذي تنتظره الكويت وتراهن عليه

الأمل الذي تنتظره الكويت وتراهن عليه

الأمل الذي تنتظره الكويت وتراهن عليه

 صوت الإمارات -

الأمل الذي تنتظره الكويت وتراهن عليه

بقلم: سليمان جودة

احتفلت الكويت في السنة قبل الماضية بمرور ستة عقود على وضع الدستور الدائم للبلاد، فكان الاحتفال في حد ذاته تعهداً غير مكتوب من أطراف العملية السياسية كلها، بأن تظل مبادئ الدستور الدائم حاكمة بينها في كل الأوقات.

وإذا كان هذا الدستور قد تجلى في أكثر من صورة على أرض الكويت، فالصورة التي تجلى فيها أكثر من غيرها، هي مجلس الأمة الذي يمثل البرلمان المنتخب، وبكل ما يمكن أن يكون للبرلمان من وظائف في حياة الناس. وبمعنى أدق، فإن قاعة عبد الله السالم التي يجتمع فيها أعضاء البرلمان الخمسون، هي التي عاشت تقول لكل متابع، إن لدى الكويت تجربة برلمانية رائدة، إذا ما كان القياس على بقية دول مجلس التعاون الخليجي الخمس الأخرى.

ولا يزال أبناء الكويت الذين يمرون أمام مبنى المجلس المُطل على الخليج، يتطلعون إلى مبناه بتصميمه المعماري اللافت، ويتمنون لو أنه اعتدل في أداء وظيفته إزاء الحكومة، دون أن يشتط في أداء ما يجب عليه أن يؤديه؛ لأن الشطط يجعله يذهب إلى ما لا تذهب إليه البرلمانات ذات التاريخ مثله في العالم. يقول المارُّون من أبناء الكويت ذلك على خلفية قرار حل المجلس الذي صدر منتصف هذا الشهر، عن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.

وإذا كنت قد أشرت إلى «وظائف البرلمان» في حياة الناس، فالعبارة التي بين الأقواس في حاجة إلى تعديل بسيط، يقول إن البرلمان في أي بلد له وظيفتان اثنتان، لا وظائف بصيغة الجمع، وإن وظيفته الأولى هي تشريع القوانين، بما يجعل حياة مواطنيه أقرب إلى روح العصر وطبيعته، بينما الثانية هي الرقابة على أعمال الحكومة، ولا وظيفة ثالثة يمكن أن تنافس أو تزاحم الاثنتين.

ولأن الدستور هو «أبو القوانين» كما يعرف أهل الاختصاص من رجال القانون، فإن مواده تأتي دائماً موجزة، ولا تذهب إلى التفصيل فيما تريد؛ لأن الدستور يكتفي بوضع المبادئ العامة، ويترك للقوانين أن تبين لاحقاً ماذا يريد النص الدستوري أن يقول. ولذلك، فإن الدستور الكويتي الدائم كان عند إطلاقه يضع الأرضية التي سوف تجري عليها الممارسة الحية من جانب الأعضاء الخمسين، وسوف –بالتالي- تُرسي التقاليد التي لا بد من أن تكون مرعيَّة في كل مراحل العمل البرلماني، منذ أن رأى الدستور النور في 1962 إلى أن صدر قرار الحل الأخير.

وهذه التقاليد تتشكل تدريجياً مع الوقت بطبيعتها، وتبقى نافذة تلقائياً في كل ممارسة برلمانية جديدة، رغم أنها -بحكم اسمها- لا تكون مكتوبة، وإنما تظل أقرب إلى المبادئ الثابتة المُتفق عليها، حتى ولو لم تكن نصوصاً جرى بها قلم على ورق.

وليس سراً أن هذا الحل ليس الأول من نوعه، ولا الثاني، ولا حتى الثالث، ولكنه الحل الثاني عشر، فإذا كان كذلك في مسيرة برلمانية عُمرها ستون سنة بالكاد، فهذا مؤشر على أن هناك خللاً ما، وأن هذا الخلل في حاجة إلى دواء يعالجه. فالأمور لا يمكن أن تكون طبيعية إذا كانت الحال هي هكذا، وإذا كانت البلاد كلما تهيأت لقطع خطوات في طريقها، أعادها البرلمان إلى المربع الأول، لا لشيء، إلا لأن ممارسات بعض الأعضاء فيه لا تقدم المصلحة الوطنية على ما سواها.

كان الدكتور محمد الرميحي قد أصدر طبعة جديدة من كتابه «مجلس التعاون الخليجي... يا منزلاً لعب الزمان بأهله» عن «مؤسسة سلطان العويس» في دبي، وكان قد رصد في الكتاب ثلاثة تحديات أساسية تواجه دول المجلس: أما التحدي الأول فهو استراتيجي متصل بالعلاقة مع إيران، وأما الثاني فهو سكاني، ويتصل بارتفاع عدد الوافدين على عدد المواطنين في بعض الدول التي يضمها المجلس في عضويته، والثالث اقتصادي يتركز في مدى القدرة على تنويع مصادر الاقتصاد، فلا يعتمد على النفط وحده في كل أحواله.

وإذا لم تكن الكويت تواجه التحديات الثلاثة معاً، فهي تواجه اثنين منها على الأقل. وعندما تكلم الدكتور محمد الصباح، رئيس الحكومة الكويتية، قبل حل مجلس الأمة بأيام، عن دولة الرفاهية في بلاده، وعن مدى قابليتها للاستمرار في ظل الاعتماد على الدخل النفطي وحده، فإنه كان يشير إلى واحد من التحديات الثلاثة بشكل مباشر. وربما تكون المملكة العربية السعودية هي أسرع الدول الست في تنويع مصادر اقتصادها، وقد كان ذلك منذ أن أعلن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، عن «رؤية 2030» الاقتصادية، ثم مضى إلى الانخراط في العمل بها منذ لحظة الإعلان عنها بغير إبطاء.

أما الكويت فعندها «رؤية 2035» الاقتصادية أيضاً التي تم الإعلان عنها أيام الشيخ صباح الأحمد، ولكنها رؤية لن تنفِّذ نفسها على الأرض، وإنما تحتاج إلى أجواء عامة مواتية تأخذها إلى الحيز العملي، ولن تتوفر مثل هذه الأجواء ما دامت هذه هي طبيعة العلاقة بين البرلمان وبين الحكومة، ففي كل المرات التي جرى فيها اتخاذ قرار الحل، كان مسار العلاقة يتأزم ويتعقد، فلا يكون هناك بديل آخر أمام صانع القرار سوى الاحتكام إلى الناخبين.

ليس لدى الكويت من الوقت ما تُضيعه، وليس لديها ترف الانتظار أكثر مما انتظرت، وهذا ما سوف يكون على البرلمان الجديد أن يدركه حين يتشكل، وهذا أيضاً ما أظن أنه يشغل أهل القرار في البلد، ولا بد من أنهم منشغلون بالبحث عن الطريقة التي تجعل البرلمان مسعفاً لا معطلاً؛ لأنه لا يمكن أن يُحل 12 مرة ثم تكون المشكلة في خارجه، ولا يمكن أن تكون البلاد على موعد في كل مرة مع العودة إلى المربع الأول من جديد.

وإذا كانت ستة عقود قد انقضت من عُمر التجربة البرلمانية في الكويت، فهي مسافة زمنية كفيلة بإحداث تراكم يمنع البلاد في كل مرة من العودة إلى نقطة البداية، وإلا، فإن التجربة تفقد رصيدها، بمثل ما يفقد التراكم أثره ومعناه.

يريد الشيخ مشعل أن يأخذ بلاده إلى المستقبل، وكان قراره تكليف الدكتور الصباح برئاسة الحكومة علامة على ذلك، والأمل أن يكون البرلمان الجديد علامة أخرى مضافة، لها ما بعدها من علامات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأمل الذي تنتظره الكويت وتراهن عليه الأمل الذي تنتظره الكويت وتراهن عليه



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 16:12 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خليفة و بن راشد وبن زايد يهنئون رئيس بنما بذكرى الاستقلال

GMT 13:59 2015 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

تصاميم على شكل الماس لحقائب "إن إس باي نوف"

GMT 10:32 2016 الجمعة ,04 آذار/ مارس

لوني شتاءك بأجمل موديلات الأحذية الـ Pumps

GMT 01:32 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عيش الرفاهية في فنادق ومنتجعات الجميرا الفخمة

GMT 01:28 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

«بنتلي» تفوز بلقب الشركة الأكثر تقديرًا في بريطانيا

GMT 23:18 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

الزمالك يهزم بتروجيت في دوري كرة الطائرة المصري

GMT 19:14 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على خطوات رئيسية لترتيب خزانة ملابسكِ الخاصة

GMT 11:52 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

6 أفكار أنيقة مميزة لزينة حفلات الزفاف

GMT 07:51 2013 السبت ,27 تموز / يوليو

جمال كامل فرحان يصدر رواية "كان ردائي أزرق"

GMT 04:48 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

رواية "الجنية" تمزج الواقع بالخيال بشكل واقعي

GMT 19:29 2013 الأربعاء ,22 أيار / مايو

خيبة المثقف في"طائف الأنس" لعبدالعزيز الصقعبي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates