عودة طالبان وحديث اليوم

عودة طالبان وحديث اليوم

عودة طالبان وحديث اليوم

 صوت الإمارات -

عودة طالبان وحديث اليوم

سليمان جودة
بقلم : سليمان جودة

إذا استوعب عقلي أن ما جرى في القلب من المنطقة عام 2011، هو نفسه ما يجري فيها أو على أطرافها عام 2021، فإنه لا يستوعب أن يكون ذلك من قبيل المصادفات!
ما جرى في منطقتنا قبل عشر سنوات كاملة، كان بتشجيع معلن من الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وما يجري فيها عند نهاية السنوات العشر، يتم على يد الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي كان نائباً لأوباما عند بداية العقد الماضي!
ولأن نائب الرئيس في الحالة الأميركية، موقع شكلي أكثر منه موقعاً ذا صلاحيات حقيقية لصاحبه، ولأن شاغل منصب النائب هناك لا يظهر أثر منصبه في الواقع السياسي بجد، إلا إذا خلا موقع الرئيس فجأة لأي سبب، كما حدث في حالة الرئيس ريتشارد نيكسون على سبيل المثال، عندما استقال، فجاء النائب جيرالد فورد في مكانه رئيساً من دون انتخابات حسب نص الدستور، فإننا لا نعرف على وجه الدقة، ما إذا كان بايدن قد اقتنع بسياسات الرئيس أوباما في وقتها أم لا!
إن كامالا هاريس التي تشغل موقع نائب الرئيس بايدن، لم تظهر إلى جواره منذ انتخابها معه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلا مرات معدودة على أصابع اليد الواحدة، وهي مسألة كاد معها المتابعون للشأن العام الأميركي ينسون اسم هاريس، وكادوا ينسون شكلها أيضاً، ولولا أن ما حدث في كابل قد دفعها إلى القيام بجولة حالية في بعض دول جنوب آسيا، ما كان اسمها قد قفز فجأة إلى الصفحات الأولى من الجرائد، وما كانت صورتها قد عادت تظهر فوق الشاشات!
ولذلك، فليس من العدل محاسبة بايدن على ما كان من بلاده من سياسات في أرجاء العالم، وقت أن كان يعمل إلى جوار أوباما، لأن عينه كانت في ذلك الوقت بصيرة، ولكن يده كانت قصيرة بحكم الصلاحيات القليلة التي كانت لديه، وإنما يمكن مساءلته اليوم بملء الفم، لأن عينه إذا كانت بصيرة وهي كذلك دون شك، فإن يده ليست بالتأكيد قصيرة!
كان أوباما يظهر سعيداً في زمن ما يسمى الربيع العربي، وكان يشجعه ويحرض على تثبيت قدميه في المنطقة، وكان نائبه يبدو إلى جواره في الكثير من الأحيان، بدون أن نعرف ما إذا كانت قناعاته السياسية في موضوع الربيع هي نفسها قناعات الرئيس أم أنها كانت تختلف؟!
والمنطق يقول إن قناعات الاثنين لا بد أن تكون واحدة، أو تكون على الأقل متشابهة، وإلا، فكيف سوف يعملان معاً في بيت أبيض واحد؟!
وفي وقت أوباما لم يكن أحد في المنطقة ينشغل كثيراً بما إذا كان النائب مقتنعاً بما يمارسه الرئيس أم لا، لأن قناعات الثاني تؤثر في قناعات الأول وليس العكس، وهذا ما جعل بايدن وقتها خارج الصورة بالنسبة للذين كانوا يتابعون سياسات الإدارة في المنطقة!
كان أوباما لا يداري انحيازه الواضح إلى تيار الإسلام السياسي، وكان لا يُخفي رغبة إدارته في تمكين الجماعات التي تمثل هذا التيار من مقاعد الحكم في أكثر من عاصمة عربية، وكانت عبارته الشهيرة التي دعا من خلالها الرئيس حسني مبارك إلى التنحي عن الحكم، هي أصدق دليل على طبيعة ما كان يريده، وعلى طبيعة ما كانت تدعو إليه إدارته من سياسات في منطقتنا!
وعندما جاء دونالد ترمب خلفاً لأوباما، تنفست عواصم المنطقة قليلاً من الهدوء، لأن موقف الإدارة الجديدة من تيار الإسلام السياسي كان واضحاً، وبالذات على مستوى شخص الرئيس وأفكاره المعلنة على لسانه، وبصرف النظر طبعاً عن موقف أجهزته المختلفة التي تشاركه الحكم، فهي أجهزة بدا في أكثر من مناسبة أن مواقفها ليست بالضرورة متطابقة مع موقف ساكن البيت الأبيض رغم أنه الرئيس!
وحين أشرفت سنوات ترمب على نهايتها، طرح بايدن اسمه في بورصة الأسماء التي ستخوض السباق الرئاسي، وعاد اسمه إلى الظهور في مركز الأضواء من جديد، ولم يكن كثيرون يتوقعون وصوله إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، بمن في ذلك ترمب نفسه الذي كان يبدو متأكداً من الفوز مرة ثانية!
ولكن احتمالات عدم فوز النائب السابق لأوباما، لم تمنع أن يظل يتلقى أسئلة فاصلة كانت في أشد الحاجة إلى أجوبة حاسمة، وكان السؤال الأول بطبيعة الحال هو عما إذا كان فوزه سيجعل من رئاسته نسخة أخرى من حكم أوباما، أم أن له أفكاره السياسية الخاصة التي تضمن أن تختلف إدارته عن إدارة سابقة، كان هو يستقر في موقع الرجل الثاني فيها لثمانية أعوام؟!
وفي وقت ترشحه كان شيء واحد في المنطقة يخصنا في فوزه بالمنصب، وكان هذا الشيء هو موقفه لو نجح من الفكرة الأساسية التي قام عليها ما لا يزال يسمى الربيع العربي. فهذا هو الموضوع الشاغل لأبناء الإقليم ولا موضوع سواه، لأن لنا أن نتخيل شكل هذه المنطقة الآن، لو أن أوباما لم يتحمس لما تحمس له على أرضها وبين عواصمها الكبيرة!
كان المرشح بايدن ينفي أي احتمال لأن يصبح صورة من أوباما إذا ما فاز، وكان حريصاً على نفي الفكرة في كل مرة تُثار أمامه، ولكن النفي وحده لم يكن يكفي طبعاً، فالفيصل هو في التجربة العملية على الأرض، وليس في الكلام مهما كانت حلاوته، ومهما كانت لهجة الطمأنة فيه.
وكان مما يثير المخاوف من عودة أفكار أوباما متخفية في صورة إدارة جديدة، أن أوباما بنفسه كان يتولى الدعاية لنائبه السابق، وقد ظهر في فيديو شهير يتصل خلاله عشوائياً بأرقام تليفونية أرضية، كان يختارها بشكل تلقائي من دليل التليفونات، وكان يفاجئ أصحابها الناخبين بأنه فلان، وأنه يدعوهم إلى التصويت لصالح بايدن!
كانت دعايته جزءاً بالطبع من التنافس السياسي المفهوم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ولكنها دعاية كانت تشير في جانب من جوانبها إلى أن بينه وبين المرشح الذي يروّج له في السباق، أفكاراً سياسية مشتركة يؤمنان بها ويقتنعان بجدواها.
فهل كان من بين الأفكار المشتركة بين إدارتيهما، إيمانهما بأن وصول الجماعات الإسلامية إلى الحكم في الشرق الأوسط على امتداده، يمكن أن يكون حلاً لاحتواء التشدد، فلا تصل تداعياته إلى الولايات المتحدة على الشاطئ الآخر من المحيط؟!
الحقيقة أن فتح الطريق أمام «طالبان» للوصول إلى القصر في كابل على يد إدارة بايدن، لا يختلف من حيث عائده على المدى الطويل في المنطقة، عن فتح الطريق أمام جماعة الإخوان إلى القصر أيضاً قبل عشر سنوات على يد إدارة أوباما!
قد يقال كلام كثير عن الفوارق الأساسية الكثيرة بين الحركة هناك في العاصمة الأفغانية، وبين الجماعة هنا في المنطقة العربية، ولكن الحديث اليوم هو عن عوائد ما حدث قبل عقد من الزمان في وقته، ثم عن عوائد ما يحدث في هذه اللحظة ونحن نتابع الإشارات التي تصدر عن «طالبان»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة طالبان وحديث اليوم عودة طالبان وحديث اليوم



GMT 17:50 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

عودة الجغرافيا السياسية: حرب أوروبا

GMT 20:10 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

السم بالتذوق

GMT 20:03 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مراهنات خطيرة في السودان

GMT 19:59 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الحرب الأهليّة في تأويل «حزب الله» لها

GMT 19:55 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية... الحقبة الخضراء

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 17:40 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 19:20 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الأحد 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 15:06 2020 الإثنين ,17 آب / أغسطس

طريقة تحضير ستيك لحم الغنم مع التفاح الحار

GMT 20:28 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

غادة عادل تنشر صورتها مع زميلاتها في إحدى صالات الجيم

GMT 22:38 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

الغساني يبدي سعادته بالأداء الذي يقدمه مع الوحدة

GMT 16:15 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

"بي بي سي" تطلق موقعًا جديدًا على الإنترنت

GMT 21:06 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

طقس غائم وفرصة سقوط أمطار خلال الأيام المقبلة

GMT 20:01 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 06:47 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ابرز النصائح والطرق لتنظيف السيراميك الجديد لمنزل معاصر

GMT 08:14 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates