بقلم: سليمان جودة
انعقدت قمة حلف شمال الأطلنطى فى واشنطن، فجاءت بالنسبة للرئيس الأمريكى جو بايدن وكأنها هدية أرسلتها إليه السماء.
كان ذلك على المستوى الشخصى لا الموضوعى؛ لأن الولايات المتحدة تقود الحلف منذ نشأته فى ١٩٤٩ ولا خلاف بينها وبين أى دولة على قيادته.. هذا عن الموضوع.. أما على المستوى الشخصى فكانت القمة فرصة ليثبت من خلالها بايدن أنه قادر على أن يقود بلاده لأربع سنوات أخرى تبدأ فى نوفمبر المقبل.
ولأن هذا هو كل ما كان يهمه شخصيًا فى القمة، فإنه ما كاد ينتهى من إلقاء كلمته أمام ٣٢ من قادة الدول الأعضاء فى الحلف، حتى سارعت إدارته تقول للإعلام إن الرئيس ألقى الكلمة دون أن يتلعثم ودون زلات تُذكر!.
وتبين أنه كان يلقيها اعتمادًا على مُلقن، وأن هذا جعله يحيى أمين عام الحلف الجالس أمامه فى القمة دون أن يتوجه بالنظر إليه!.. فكأنه روبوت يلقى كلمة فى مناسبة عامة، دون أن يخلط ما يقوله بمشاعره، فتخرج الكلمة خالية من أى بُعد إنسانى.
وقد كان العالم يأخذ على الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب تشبثه المَرَضى بالسلطة، فإذا بالرئيس بايدن أشد تشبثًا بها منه، وإذا به يتمسك بالمضى فى خوض السباق الرئاسى بينه وبين ترامب إلى آخره.. فكلاهما لا يرى نفسه خارج البيت الأبيض عندما تجرى الانتخابات فى ٥ نوفمبر، وكلاهما طالب سلطة، وكلاهما ينطبق عليه مبدأ مهم يعرفه الفقه الإسلامى ويقول: «طالب السلطة لا يُولَّى».
وهذا ما يشير من جديد إلى مدى حاجة الولايات المتحدة إلى مرشح ثالث، وقد كان من الممكن أن يكون هذا المرشح الثالث هو أحد أفراد عائلة كيندى، الذى طُرح اسمه فى السباق الرئاسى، ثم ما لبث الاسم أن اختفى دون مقدمات، رغم أن صيت العائلة السياسى كان يسبقه، وكان يكفى للدفع باسمه إلى مقدمة السباق!
كان على مائدة قمة الحلف التى انعقدت ٩ من هذا الشهر موضوعان أساسيان، أحدهما: مبادرة السلام التى طرحها ڤيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، لوقف الحرب الروسية- الأوكرانية. وثانيهما: النظر فى المزيد من الدعم لأوكرانيا فى مواجهة روسيا.. وكان الأمل أن يحظى الموضوع الأول لا الثانى بدعم القمة، لولا أن قادة الحلف قابلوا مبادرة أوربان بالشك والريبة، لمجرد أنه قريب فى أفكاره من أفكار الرئيس الروسى بوتين، فتبدد الأمل فى نجاح مبادرته فى مسعاها، كما تبددت آمال فى مبادرات أخرى كثيرة سبقتها على الطريق.
لا يكاد بلد فى العالم يخلو من استحقاق انتخابى هذه السنة، ولكن الاستحقاق فى بلاد العم سام يستولى على نصيب الأسد من الاهتمام عالميًا، وهذا مفهوم طبعًا، كما أن له ما يبرره. أما ما يبعث على الطمأنينة فى تشبث بايدن وترامب معًا بالكرسى، فهو أن فى أمريكا مؤسسات حقيقية تتدخل عند الضرورة لتضع الأمور فى نطاقها الصحيح.