قصة حياة في عمّان وأخرى في الرباط

قصة حياة في عمّان... وأخرى في الرباط

قصة حياة في عمّان... وأخرى في الرباط

 صوت الإمارات -

قصة حياة في عمّان وأخرى في الرباط

بقلم: سليمان جودة

تقرأ كتاب «قصة حياتي» للملك حسين، عاهل الأردن الراحل، فلا تملك إلا أن تتذكر كتاب «ذاكرة ملك» للملك الحسن، عاهل المغرب الراحل.

أهم ما في «ذاكرة ملك» قصة الحسن مع الموت لا مع الحياة؛ لأنه تعرض للاغتيال مرتين، وفي كل مرة كان نجاح المحاولة مضموناً بنسبة مائة في المائة، ولكن هذا كان بمقاييسنا وحساباتنا هنا على الأرض، أما حسابات السماء فكانت شيئاً آخر؛ ولذلك، نجا الحسن وعاش من بعد المحاولتين ثلاثين سنة كاملة!

في المرة الأولى دخل عليه رجال بالرشاشات في القصر، وكان الملك أمامهم مباشرةً مع ضيوف له في ذكرى الجلوس على العرش، ورغم أن العشرات من الضيوف فقدوا حياتهم في ذلك اليوم، فإن الملك أفلت بطريقة عجيبة حقاً... وفي المرة الثانية كان قادماً بالطائرة من الخارج، وتعرّضت طائرته لاعتداء وهي لا تزال في السماء تستعد للهبوط، وكانت كل الأسباب تقول إن مقتل الحسن مسألة لا شك فيها، ولكنه هبط بعدها في أمان، وألقى القبض على كل المشاركين في المحاولة، وعاش من بعدها سنوات وسنوات يحكي ويروي عما عاشه ورآه مرأى العين.

وكانوا كلما سألوه عن سر نجاته في المرتين يظل يفتش في تفاصيل ما جرى، فلا يجد تفسيراً يمكن أن يقبله عقل بشر بالمعايير التي نعرفها للحياه والموت. ففي المرة الأولى كان في ردهات القصر، وكان المهاجمون في مواجهته تماماً، وفي المرة الثانية كانت طائرته في مرمى الذين يقذفونها بما يجعلها تسقط في الحال، ولكنه خرج منهما وقد كتب الله له حياةً جديدة. خرج منهما سالماً ولسان حاله يقول: أعطني عمراً، ثم افعل معي ما تشاء على الأرض أو في السماء!

وكان عنده تفسير بالطبع، وكان تفسيره أنه يردد في كل صباح دعاءً محدداً عن الرسول (عليه الصلاة والسلام)، وأن أي شخص يردد هذا الدعاء إذا خرج من بيته، فإنه يعود إلى حيث غادر من دون أن يصيبه أي أذى.

والذين سمعوا الدعاء من صحابة الرسول الكريم سألوه: ولكن لا بد لهذا الشخص أن يموت ذات يوم يا رسول الله، فكان رده: إذا جاء هذا اليوم نسي الرجل الدعاء.

كان الحسن يردد الدعاء كل صباح، وكان إيمانه بالدعاء ويقينه فيه يجعله يحرص على ترديده مع أول خطوة يخطوها خارج القصر، ولم يكن ينساه ولا يتغافل عنه، وكان دعاؤه سنده في المرتين، ولو أنه بحث عن سند آخر ما وجد شيئاً آخر في مواجهة القذائف التي استهدفته في المحاولتين، ومن شدة الحبكة في الاستهدافين كان احتمال نجاته صفراً في المائة، ومن إحكام التخطيط فيهما لم يكن في مقدور أي قوة حوله أن تنقذ حياته.

وفي «قصة حياتي» كان الموت أقرب إلى الملك حسين من أي شيء آخر، وبالذات يوم قتلوا جده الملك عبد الله بين يديه في المسجد الأقصى. كان السفير الأميركي في عمّان قد حذّر الملك يومها من الذهاب إلى الأقصى، ومن الواضح أن السفير كانت لديه معلومات، ولكن الملك رفض وقال إن عُمره واحد وإن ربه واحد، وإن أجله إذا حان فسيأتيه في أي مكان.

والغريب أنه حرص على أن يصحب معه حفيده حسين، والأغرب أنه دعاه إلى ارتداء ملابسه العسكرية وتمسك بذلك، ولم يكن يفعل ذلك في أي مرة سابقة. أما لماذا كان ذلك هو الأغرب؛ فلأن القاتل حين صوّب مسدسه إلى الملك وأفرغ رصاصته في رأسه، استدار إلى الحفيد وصوب المسدس إليه وضغط على الزناد فانطلقت الرصاصة، ولكن الله شاء أن ترتطم بالوسام النحاسي الذي كان يضعه الحفيد على صدره فنجا من موت مُحقق، وهكذا بدا أن حرص الجد على أن يرتدي حفيده الزي العسكري كان عن حكمة أرادتها السماء.

كان ذلك في العشرين من يوليو (تموز) 1951، وكان الحفيد في السادسة عشرة من عمره في تلك السنة، وكان على موعد بعدها بسنة واحدة مع اعتلاء العرش؛ لأن مرضاً أصاب والده الملك طلال فأعجزه عن القيام بمهام الحكم.

وما إن اعتلى العرش في 1952، حتى كانت محاولات التخلص منه قد تتالت بشكل عجيب، وهو يرويها في مذكراته بتفاصيلها المثيرة، وسوف تتابع أنت التفاصيل في المذكرات بشكل أعجب، فلم تكن محاولة ولا كانت محاولتين شأن ما حصل مع الحسن، ولكن المحاولات معه كانت كثيرة، ومتعددة، ومتنوعة، وكانت تتوزع بين تفجير مكان كان من المقرر أن يمر فيه، أو دس السم في طبق كان سيتناول منه طعامه، أو استهداف طائرته وهي تعبر فوق دمشق في طريقها إلى أوروبا، عندما تعرضت لهجوم من أكثر من اتجاه، فلم تجد مفراً من العودة إلى عمّان.

في كل المرات كانت حياته هي الهدف، وكان بينه وبين الموت مرمى حجر، ولكن السماء كان لها دائماً ترتيب آخر.

كان الملك الحسين هو الحفيد الرقم 40 للرسول الكريم، وكان هذا يعني أنه من الأشراف الذين ينتسبون مباشرةً إلى نبي الإسلام جيلاً من وراء جيل، وكان الملك الحسن من الأشراف أيضاً، وكان يقول إن الأشراف يعيشون إلى سن مُعينة ولا يتجاوزنها إلا في أقل القليل، وذات مرة دخل في رهان على ذلك مع ملك إسبانيا خلال لقاء بينهما، وقد تبين لنا حين رحل لاحقاً أن رهانه كان في مكانه الصحيح، وكل من الملكين كان من العقول الوازنة في زمانه على امتداد المنطقة.

كل منهما كتب سيرته بيده، وكل منهما أراد ألا يمضي عن الحياه من دون أن يكتب جانباً من سيرته، وكل منهما عاش تجربة فريدة من نوعها، والتجربتان كلتاهما مُتاحتان لمن شاء أن يرى ويتابع.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة حياة في عمّان وأخرى في الرباط قصة حياة في عمّان وأخرى في الرباط



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية

GMT 02:08 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

اختاري عطرك بحسب شخصيتك

GMT 10:38 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

بروتوكول لإنشاء محطة لتحلية مياه البحر بقيمة 200 مليون جنيه

GMT 23:49 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تتويج السوري عمر خريبين كأفضل لاعب في آسيا لعام 2017

GMT 11:51 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يشيد بجهود شما المزروعي في دعم الشباب

GMT 03:12 2016 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

كعكات الموز والشوفان الصحية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates