بقلم: سليمان جودة
من نكد الدنيا على ليبيا أن يكون فيها حكومتان: واحدة فى الشرق برئاسة أسامة حماد، وأخرى فى الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
ثم كأن الدنيا رأت أن هذه الجرعة من نكدها على الإخوة الليبيين لا تكفى، فأصبح فى البلاد محافظان للبنك المركزى: أحدهما هو الصديق الكبير، الذى تولى موقع المحافظ لما يقرب من عشر سنوات، والآخر هو محمد الشكرى الذى اختاره المجلس الرئاسى محافظًا جديدًا!.
أما المحافظ القديم فلقد غادر البلاد إلى إسطنبول حيث يوجد الآن، وقال إنه غادر خوفًا على حياته بعد أن رفض تسليم البنك المركزى إلى محافظ جديد لا يحظى تعيينه بالتوافق بين القوى السياسية وغير السياسية النافذة فى البلاد!.
وأما المحافظ الجديد فرفض من جانبه أن يتولى المنصب، إلا إذا تم التوافق على قرار تعيينه بين هذه القوى.. وكان موقفه من المواقف المسؤولة النادرة فى بلد يبحث عمن يشعر بالمسؤولية تجاهه وتجاه أهله فلا يكاد يعثر على أحد.
وهكذا صارت ليبيا إلى وضع نادر الوجود بين الدول.. وضع يتعطل فيه البنك المركزى عن العمل تقريبًا، لأنه لا المحافظ القديم موجود ليمارس مهام مسؤولياته، ولا المحافظ الجديد يقبل أن يكون أداةً فى أيدى الذين يتصارعون على الحكم وعلى الثروة.. وليس غريبًا والحال هكذا، أن يأتى وقت يقال فيه عن الليبيين فى بعض المدن إنهم يستخدمون الحطب لتوفير الوقود فى الشتاء.. حدث هذا بالفعل ونشرته الصحف عن ليبيا البلد النفطى الذى لا يتجاوز عدد سكانه ستة ملايين!.
وفى القلب من هذا كله كانت الولايات المتحدة الأمريكية تكثف من وجودها فى الأراضى الليبية لهدفين اثنين: أولهما مقاومة النفوذ الروسى وحصره فى أضيق نطاق، وثانيهما حماية مؤسسة النفط الليبية وضمان ألا يتوقف تدفق النفط الليبى.. أما ما عدا ذلك فلا شىء يهم على رأى الكبير إحسان عبد القدوس.. لا يهم واشنطن بعد ذلك أن يكون فى البلاد عشر حكومات لا حكومتين، ولا أن يكون فيها عشرون محافظًا للبنك المركزى لا محافظان اثنان!.
ولهذا.. فإن فرحات بن قدارة، رئيس مؤسسة النفط، موجود حاليًا فى العاصمة الأمريكية، ولا هدف من وراء ذهابه إلا البحث فى الطريقة التى تحمى المؤسسة كما يجب وسط الصراع الدائر، وأن يتدفق النفط كما يتعين أن يتدفق.. أما ليبيا الأرض، والأهل، والأشقاء، فإن لهم الله الذى لا ينصر قومًا حتى ينصروا أنفسهم.