عصا المبعوث

عصا المبعوث

عصا المبعوث

 صوت الإمارات -

عصا المبعوث

بقلم : سليمان جودة

دخلت أوروبا على الخط في لعبة إرسال المبعوثين إلى منطقة الشرق الأوسط، فأوفدت النمساوي كريستيان بيرغر مبعوثاً لها إلى سوريا، كأن لسان حالها وهي تبعثه كان يقول: ولماذا لا يكون لي مبعوث أنا الأخرى أسوةً بأميركا وغيرها؟

وقد عرفت منطقتنا الكثيرين من المبعوثين الدوليين، وكان آخرهم إنهاءً لمهمته عبد الله باتيلي، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، الذي بقي فيها فترة ثم غادرها كغيره من دون تقديم أي شيء. أما مبعوث الولايات المتحدة إلى السودان توم بيرييلو، فهو لا يزال يحاول وقف الحرب هناك، وأما مبعوثها إلى لبنان وإسرائيل آموس هوكستاين، فلقد كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان تستعر كلما جاء أو راح، وفي المرة الأخيرة زار تل أبيب على أمل الانتقال منها إلى بيروت، ولكنه اكتفى بالأولى ورجع إلى بلاده، ثم قيل إن هذه هي جولته الأخيرة التي سيقدم بعدها استقالته.

وتجربة المبعوثين أمامنا تقول إنها عملية تتم بوصفها هدفاً في حد ذاتها، لا عن رغبة في حل ما جاء المبعوث من أجله، أو أن هذا ما نراه ونلمس أثره على الأقل، وإلا فلنستعرضْ بلدان المنطقة التي جاءها مبعوثون، بلداً من وراء بلد، ولنحاولْ أن نقع على شيء إيجابي قدمه أي مبعوث منهم، ولا أظن أننا سنعثر على شيء من هذا النوع، لأن المبعوث منهم يأتي وفي جيبه مصلحة سياسية تخص الجهة التي أرسلته لا البلد الذي قصده ثم راح يتردد عليه.

هذه خريطة منطقتنا أمام أعيننا تقول ما أعنيه، وهذه هي ليبيا على سبيل المثال وقد جاءها مبعوثون يقترب عددهم من عدد أصابع اليدين، وهذا هو السودان تكاد الحرب فيه تدخل السنة الثانية، بينما بيرييلو يروح ويجيء.

لا أحمل على المبعوث من ناحيتي، ولكنني أحمل على الذين يتصورون أن في إمكانه أن يقدم للبلد ما لم يقدمه له أبناؤه وسياسيوه، فالمبعوث يأتي وفي نيته أن يكون «محضر خير» كما نقول، ولكنه يُكتشف في كل مرة أنه لا يستطيع أن يساعد قوماً لا يساعدون أنفسهم.

وكان إبراهيم شحاتة، الاقتصادي المصري المعروف، قد وضع كتاباً في آخر حياته سمّاه «وصيتي لبلادي»، ورغم أن عنوانه يشير إلى أنه عن مصر لا عن غيرها، فإنك سوف ترى من خلال الاستهلال الذي سجَّله إهداءً في الصفحة الأولى، أن ما في الكتاب عن بناء الدول لا يخص المحروسة وحدها، ولا يخاطبها كما قد يبدو بمفردها، ولكنه كتاب يمكن أن يخص أي بلد يرغب في أن يقيم بناءه على أساس قوي وسليم.

وفي زاوية من زوايا الكتاب أن المبعوث الأوروبي، أو الأميركي، أو الأممي، لا يملك عصا موسى في يده، ولكنه يحاول أن يُسعف الذين ذهب إليهم مبعوثاً. هذا إذا صدقت منه النيَّة، وإذا وافق عمله ضميراً حُراً في داخله، وما عدا ذلك يقع على الذين هُم أبناء البلد أنفسهم، ثم على مدى عزمهم على أن يقدموا صالح البلد على كل ما عداه.

إن النمساوي بيرغر لا يزال في بدء مهمته التي تبدو مُبهمة وغامضة، وسوف يكون علينا أن ننتظر لنرى ماذا سيفعل في أرض الشام التي عاشت السنوات الماضية على قطيعة مع القارة العجوز أو ما يشبه القطيعة، فلمَّا انتبهت أوروبا متأخرةً إلى أن سوريا تشاركها الأطلال على البحر المتوسط راحت تُعدل وتُبدل في موقفها من العاصمة دمشق، ثم رأت أن مبعوثاً إليها ربما يكون خطوة أولى تؤدي إلى ما بعدها، وربما يكون جسراً يصل في المستقبل بين الشاطئين.

لا أظن أن أحداً بيننا يرغب في أن يصادر مهمة بيرغر وهو بالكاد يحزم حقائبه إلى سوريا، فهناك أمل بالتأكيد في أن يختلف حظه مع السوريين، عن حظ هوكستاين مع الإسرائيليين واللبنانيين، أو عن حظ بيرييلو مع السودانيين، ثم عن حظ سواهما من المبعوثين على اختلاف مسمياتهم، ولكننا نتكلم عن أمل في الأول وفي الآخر، كما أن استهلال كتاب شحاتة يجب ألا يغيب عنَّا في كل الأوقات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عصا المبعوث عصا المبعوث



GMT 17:55 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

إيران لم تيأس بعد من نجاح مشروعها!

GMT 17:51 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

هل غادرتنا البركة فتغير الزمن المناخ ؟!

GMT 17:50 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

شفافية في الأرقام

GMT 17:49 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

توحيد المواقف لمواجهة المشروعات المشبوهة

GMT 17:49 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

«الديمقراطية» التي يحلبون سرابها

GMT 17:42 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

اركض وراء الراكضين

GMT 08:52 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

1.2 مليون زائر لمعرض الشارقة الدولي للكتاب

GMT 23:26 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السودانية هديل أنور بطلة تحدي القراءة العربي

GMT 10:26 2013 الثلاثاء ,20 آب / أغسطس

دار إبداع تصدر الكتاب الساخر "يا صلاة العيد"

GMT 14:26 2013 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

10 أخطاء يجب تجنبها عند اختيار ديكورات المنزل

GMT 12:22 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق اختبارات مسابقة "جولدن سينجر" للمواهب

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 23:40 2017 الجمعة ,24 شباط / فبراير

إكسسوارات تمنحك الهدوء والراحة في غرفة النوم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates