بقلم: سليمان جودة
أصحاب النوايا الحسنة لا يتوقفون عن نشر أشياء تفيد بأن أبومحمد الجولانى، الذى قفز من رئاسة هيئة تحرير الشام إلى منصة الحكم فى سوريا، لا يصلح لهذا الموقع الذى صار إليه ولا ينفع.
ومما ينشرونه على مواقع التواصل أن الجولانى كان مطلوبًا للأمريكيين ذات يوم، وأن واشنطن كانت قد رصدت عشرة ملايين دولار مكافأة لمن يُدلى بمعلومات عنه.. كان ذلك فى زمن مضى طبعًا، وبالتحديد وقت أن كان الرجل على رأس جبهة النصرة المعارضة لحكم بشار الأسد.
أما الآن فالأمر من الواضح أنه مختلف، والولايات المتحدة الأمريكية التى فعلت معه كذا وكذا من قبل، هى نفسها التى أفسحت له مساحة على شاشة شبكة «سى إن إن» يقول فيها ما يشير إلى أنه تغير، وأن الجولانى اليوم ليس هو جولانى الأمس.. ومن بعدها، أو حتى من قبلها، راح يقدم أوراق اعتماده إلى الولايات المتحدة بالذات، ثم إلى الغرب فى العموم.
ومما قاله، وهو فى طريقه من حلب فى الشمال إلى دمشق فى وسط البلاد، أنه لم تعد له علاقة بتنظيم القاعدة الذى كان قد انتسب إليه فى وقت من الأوقات، وأن هيئة تحرير الشام ليست جزءًا من مفهوم الجهاد العالمى الذى تتبناه الجماعات المتشددة، وأنه باختصار غيَّر أفكاره وقناعاته القديمة ولم يعد يعتنقها أو يؤمن بها أو يدعو إليها!
وهو عندما يقول مثل هذا الكلام إنما يخاطب الرأى العام فى الأساس، لأن ما يقوله بهذا الشأن قاله بالتأكيد لواشنطن وللعواصم المعنية فى الفترة السابقة على يوم ٢٧ نوفمبر حين بدأ مسيرة الزحف من شمال البلاد.
وعندما دخل الجامع الأُموى بعد سقوط نظام حكم بشار الأسد، ألقى على الطاولة ورقة أخرى من أوراق الاعتماد، فقال إن الأسد «جعل سوريا نهبًا للأطماع الإيرانية».. وهذه ورقة مهمة جدًا بدورها، لأنها لا تخاطب واشنطن وعواصم الغرب وحدها، ولكنها بالقدر نفسه تخاطب تل أبيب، التى يهمها جدًا أن يبتعد النفوذ الإيرانى فى المنطقة عن سوريا الواقعة على حدودها المباشرة.. أما أوراق الاعتماد لدى السوريين فهى كثيرة، ومن بينها حديثه عن أن المسيحيين فى حلب آمنون، وأن المؤسسات العامة آمنة من أى عدوان عليها.
فإذا أنت ضممت هذا كله إلى ما قاله الرجل فى حديث الـ«سى إن إن»، لتبين لك أن أوراق الاعتماد مستوفاة ومكتملة تقريبًا، وأنه لا مشكلة فى أن يعتلى منصة الحكم فى دمشق.. اللهم إلا إذا طرأ طارئ فى المشهد ليس فى الحسبان.