شيء من رائحة السادات

شيء من رائحة السادات!

شيء من رائحة السادات!

 صوت الإمارات -

شيء من رائحة السادات

سليمان جودة

كانت السيدة جيهان السادات حاضرة بيننا على مدى أربعة عقود مضت، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تغيب عنا إلى العالم الآخر بعد أن غادرتنا إليه في صيف هذه السنة.
فمنذ اغتيال الرئيس السادات في مثل هذا الشهر من 40 سنة، كانت جاهزة تتحدث كلما حل الشهر، وكانت تتجلى كلما تكلمت، ليس فقط عن النصر الذي صار قريناً للشهر، ولكن عن زوجها الذي رأته يسقط أمامها برصاص الغدر في أثناء العرض العسكري الذي أقيم في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1981.
وسوف يفتقدها محبوها بالتأكيد، فلقد عاشوا على امتداد العقود الأربعة يقولون عنها إنها «أم الأبطال»، وكان اللقب راجعاً إلى أنها كانت في أيام الحرب تدور على المستشفيات تداوي الجرحى وتخفف من أوجاع المصابين.
وقد كانت لديها من الحكايات عن الشهر وعن النصر ما لا ينفد ولا ينضب، وكانت تحكي في كل مرة فتبدو وكأنها تفعل ذلك للمرة الأولى، وكان مرجع محبة الناس لها أن فيها شيئا من رائحة السادات، وأنها كانت تحظى بدرجة من القبول من الصعب أن تحوزها سيدة مثلها.
وقد بقي هذا الشهر شهراً للسادات بامتياز، ولماذا لا يكون كذلك كلما دار العام دورته، إذا كان الرجل، يرحمه الله، قد محا فيه عار الهزيمة التي حلت بنا في الخامس من يونيو (حزيران) 1967؟ ففي ذلك اليوم من ذلك العام، وبالتحديد في التاسعة إلا الربع في الصباح منه، ثم في الأيام الستة التالية له، جرى احتلال سيناء، والضفة الغربية، والقدس، وغزة، والجولان!
ولأنه رجل عسكري في الأساس، ولأن الالتزام والانضباط من الصفات العسكرية التي لم تكن تفارقه، فلقد أحس منذ اليوم الأول له في السلطة عام 1970 أن عليه التزاماً باستعادة الأرض مهما كان الثمن، وأن الانضباط هو سبيله إلى تحقيق هذا الهدف.
وحين اتخذ قرار الحرب، كان قراره أن لا رجعة عنه إلا بعد أن يسترجع ما جرى احتلاله، كله، لا بعضه، وكان يقينه أن الحرب وقتها هي مواجهة عربية إسرائيلية، أكثر منها مجرد مواجهة مصرية إسرائيلية. ولا بد أن استرجاع تفاصيلها في أي وقت يقول هذا ويؤكده، لولا أنه في مرحلة من مراحل الحرب اكتشف أن الدبابات الأميركية كانت تأتي من واشنطن مزودة بالذخيرة والوقود، وأنها كانت تنزل في العريش مستعدة لتقاتل مع الإسرائيليين، فكانت الشجاعة تقتضي منه أن يراجع القرار لأن المواجهة لم تعد متكافئة.
وكان قراره بعدها أن ما لم يرجع من الأرض بالحرب يمكن استرجاعه بالسلام، وأنه لا بديل عن ذلك ولا خيار آخر، اللهم إلا إذا كان للإسرائيليين رأي مغاير، وخطابه في الكنيست الإسرائيلي يقول هذا أيضاً ويؤكده.
كان قد بادر بزيارة دمشق قبل أيام من زيارته إسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) 1977 لكن الرئيس حافظ الأسد كان له رأي آخر، ومن يدري؟!... ربما لو كان الأسد قد استوعب ما ذهب السادات يعرضه عليه، لكانت الجولان اليوم في أحضان الوطن الأم، بالضبط كما أصبحت سيناء وصارت!
كان لدى السادات هدف منذ اللحظة الأولى في الحكم، وكان الهدف أن تعود سيناء مهما كان حجم التضحيات، ولم يكن يفرق بين سيناء وبين باقي الأراضي العربية المحتلة، وكان يرى في استعادتها أولوية يجب ألا تنافسها أولوية سواها.
في مفاوضات كامب ديفيد 1978 بدت لأعضاء الوفد المصري مخاوف كثيرة، وتركزت مخاوفهم في أن تكون السيطرة المصرية على سيناء بعد عودة ما تبقى منها سيطرة غير كاملة، وكان نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية السابق، عضواً في الوفد المفاوض، وكان هو الذي ذهب نيابة عن الوفد يعرض مخاوفه ومخاوف زملائه على السادات في مقر إقامته.
استمع إلى مخاوفه في هدوء، ثم سأله: هل قلت كل ما عندك با ابني؟! أجاب الأمين العام للجامعة السابق: نعم يا سيادة الرئيس. هنا صارحه السادات فقال: يا ابني أنا فلاح من المنوفية، والفلاح هناك إذا امتلك قطعة من الأرض، فإن أول شيء يفعله هو أن يدق حديدة عند أول الأرض وحديدة أخرى عند آخرها، وهذا بالضبط ما أريد كمفاوض لمناحم بيغن أن أصل إليه وأن أفعله.
كان فلاحاً منوفياً يريد أرضه في حوزته، ويريد أن يكون أول الأرض معروفاً له ولغيره وكذلك نهايتها، وما عدا حدودها تتبقى تفاصيل لا صعوبة في التعامل معها في مرحلة لاحقة.
روى لي السفير منير زهران، الذي أصدر مؤخراً مذكراته السياسية «شاهد على الدبلوماسية المصرية في نصف قرن»، أن مسؤولاً إسرائيلياً زار السادات في الإسماعيلية ذات يوم، وأنه كان قد جاء يطلب الإذن لكتيبة إسرائيلية بالتنقيب عن بقايا الضحايا الإسرائيليين في أرض سيناء. كان ذلك في أثناء مفاوضات كامب ديفيد، وكان صاحب الطلب يعرضه على استحياء، وكان يشك في إمكانية أن يصادف طلبه قبولاً، ولكنه فوجئ بأن السادات يبلغه بأنه لا مانع عنده من مجيء كتيبتين لا كتيبة واحدة!
وتفسير السفير زهران لسخاء السادات في الاستجابة للطلب، أنه كان يريد أن يفهم الإسرائيليون أنه لا يخاف منهم ولا يخشاهم، وأنه لو كان يخافهم أو يخشاهم ما كان قد دخل معهم في مواجهة عسكرية جعلت غولدا مائير تصرخ وتستغيث!
ولو عاشت جيهان السادات إلى ذكرى النصر في هذه السنة لكانت قد روت ما عاشت ترويه عن اعتقالات سبتمبر (أيلول) 1981 وعن رد فعل الرجل عندما ذهبت إليه تطلب استثناء بعض الذين تعرفهم من قائمة الاعتقالات التي سبقت رحيله بأربعة أسابيع.
كان تقديره أن كل هؤلاء الذين شملتهم القائمة يهاجمون حكومة بيغن في تل أبيب سياسيا، وأن هذه الحكومة في حد ذاتها لا تهمه في كثير ولا في قليل، وأن ما يهمه حقاً أن يتمسح بيغن في حملات الهجوم الواسع عليه وعلى حكومته في الصحافة المصرية، ويجدها فرصة سانحة يبحث عنها بطبيعته للتحلل من التزاماته بإعادة ما بقي من سيناء!
ولكن جيهان السادات كانت تواصل الوساطة عنده، وكان السبب أن القائمة ضمت عدداً من أساتذتها في جامعة القاهرة، وأراد هو أن يحسم الأمر لعلها تتوقف عن ضغوطها، فأفهمها أنه سيدوس على ابنهما جمال نفسه، إذا وجده عقبة في الطريق إلى الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) 1982!
كان ذلك اليوم هو موعد آخر مرحلة من مراحل الانسحاب الإسرائيلي، وكان السادات يقول إن المعتقلين جميعاً سيخرجون في مساء اليوم نفسه، وكان يراه منتهى أمله في الحياة، وكثيرون ممن كانوا قريبين منه قالوا ويقولون إنه كان يفكر في اعتزال العمل السياسي باكتمال الانسحاب في ذلك اليوم، وإنه كان يراه توقيتاً مناسباً للتقاعد مكتفياً من المجد بأنه حرر الأرض، وأنه فعل ذلك بالحرب مرة وبالسلام مرة ثانية، وأن هذا يكفيه عند أي تقييم موضوعي ويزيد!
ولكن القدر شاء أن يحرمه من أن يعيش ليشهد يوماً ظل ينتظره ويتطلع إليه بكل الشوق، فمات الرجل وفي نفسه شيء من مناسبة عزيزة عاش يراها أمام عينيه، ولكنه كان يتمنى أن يمسكها بيديه.
كان هو في مقدمة الذين فهموا الأميركان والإسرائيليين، وكان في مقدمة الذين عرفوا كيف يتعاملون مع الاثنين، ولهذا استرد أرضه بالحرب ثم استكملها بالسلام، ولم يكن يسمح لأحد بأن يعطله عن الوصول إلى هدفه، حتى ولو كان هذا الأحد هو ابنه جمال!
ولكنّ كثيرين ممن عاشوا حوله في القاهرة وفي عواصم المنطقة حوله لم يفهموه في وقته، وبعضهم راح يفهمه لاحقاً بأثر رجعي، وكان الدكتور سعد الدين إبراهيم من بين أول الذين فعلوا ذلك، فلم يجد حرجاً بعد رحيله في أن ينشر كتاباً عنوانه: رد الاعتبار للسادات!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شيء من رائحة السادات شيء من رائحة السادات



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 19:18 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 صوت الإمارات - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 08:38 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 05:21 2015 الأربعاء ,11 شباط / فبراير

افتتاح معرض "ألوان السعودية" المتنقل في جدة

GMT 07:14 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الرميحي يزور جناح دولة قطر في معرض "اكسبو 2015"

GMT 20:48 2013 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج جديد فى إذاعة الشرق الأوسط عن التعديلات الدستورية

GMT 13:26 2015 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مقهى ثقافي ومسابقة تصوير في معرض كتاب شرطة دبي

GMT 11:40 2015 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

"أبوظبي للسياحة" تنظم معرض "ميادين الفنون"

GMT 07:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

جبل بوزداغ من أروع المناطق السياحية للتزلج

GMT 05:28 2016 السبت ,27 شباط / فبراير

HTC تنشر أول صورة تشويقية لهاتفها المرتقب One M10

GMT 11:02 2013 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

بحث تطوير مشروع جامعة عمان مع كامبريدج

GMT 03:34 2015 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يستقطب أكثر من 600 ألف زائر

GMT 08:27 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميثاء الخياط تعرّف الأطفال بطرق قص مبتكرة في "الشارقة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates