بقلم : سليمان جودة
عندما وصل المستكشفون العرب القُدامى إلى الشاطئ الشرقى للمحيط الأطلنطى، لم يعرفوا اسما لهذا المسطح المائى الضخم، فكان أن أطلقوا عليه مُسمى: بحر الظلمات.
ولاتزال المؤلفات والكتب التى تتناوله فى تلك الفترة تشير إليه بهذا الاسم، وربما كان امتداد مُسطحه، الذى يبدو كأنه بلا نهاية، قد ساهم فى إطلاق هذا المُسمى عليه، وإلا، فماذا تقول فى مسطح مائى تقطعه الطائرة فى ست ساعات تقريبا، ما بين لندن مثلا على شاطئه الشرقى، وما بين نيويورك هناك فى أقصى الشاطئ الغربى.
ولاتزال السفينة تيتانيك هى الأشهر كلما كان الحديث عن هذا المحيط، ولماذا لا تكون الأشهر وقد غاصت فى أعماقه فى إبريل ١٩١٢، عندما كانت فى طريقها من بريطانيا فى شاطئ الشرق إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى شاطئ الغرب؟.
ويمتلك المغرب موقعا فريدا عليه، لأن الشواطئ المغربية تجمع بين البحر المتوسط والمحيط معا، ويتجلى هذا الجمع بين الشاطئين على أبدع ما يكون فى مدينة طنجة التى يلتقى فيها البحر والمحيط، تماما كما يلتقى نهر النيل بالبحر نفسه عند مدينة رأس البر.
أما مدينة أصيلة فتقع جنوب طنجة، ولأنها كذلك فإنها تستأثر بشاطئ ممتد على المحيط، ومنذ أن أطلقت منتداها الثقافى الدولى قبل ٤٥ سنة على يد محمد بن عيسى، أمين عام المنتدى، وزير الخارجية والثقافة المغربى السابق، وهى تأبى إلا أن تجعل شاطئها.. وبالأدق فضاءها.. فضاءً للنور لا للظلمات كما اشتهر المحيط فى أيامه القديمة.
تأخذ أصيلة من المحيط انفتاح الأفق فيه إلى سماوات بعيدة، وتحاول فى كل موسم من مواسمها الثقافية أن تجعل من هذا الامتداد المائى أفقا ثقافيا منفتحا لشتى الأفكار، وهى لا تكف عن المحاولة ولا تتوقف، وليس أدل على ذلك إلا أن محاولاتها قد بلغت خمسا وأربعين محاولة، لكنها فى كل المرات لم تكن تفقد الأمل، بل كانت تتسلح به ولسان حالها هو ذاته لسان الشاعر الذى عاش يقول: ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل.
وربما كان هذا هو الذى دعا منتداها الشهير إلى أن يجعل من «الحدود فى إفريقيا» موضوعا على منصته هذه السنة، فلا توجد دولتان متجاورتان فى القارة السمراء إلا وبينهما مشكلة أو ما يشبه المشكلة على الحدود، ورغم أن دول القارة ورثت هذه الوضعية من أيام الاستعمار، إلا أنها وضعية لاتزال قائمة تستنزف طاقات الدول فى محاولات مستمرة لعلاج القضية.
كان الأوروبيون قد جلسوا فى مؤتمر برلين ١٨٨٥ يتقاسمون إفريقيا بمواردها وأرضها، وعندما رحل الاستعمار ترك وراءه حدودا ترهق الدول ولا تفصل بينها.. لكن أصيلة عندها أمل فى أن يكون منتداها بداية نحو قدرة القارة السمراء على أن تتخلص من هذا الإرث الاستعمارى ثم تتجاوزه.. ولابد أن يتم ذلك ذات يوم.. لأن لدى إفريقيا الغنية بالبشر والموارد ما هو أهم فى حاضرها ومستقبلها معا.