بقلم: سليمان جودة
دعت كامالا هاريس إلى «محاسبة كاملة» فى موضوع الناشطة الأمريكية عائشة نور، التى لقيت مصرعها على يد جندى إسرائيلى فى الضفة الغربية.
وعندما تدعو هاريس إلى محاسبة كاملة فى الموضوع، ثم عندما تتكلم بهذه اللهجة، فالحقيقة أنها تفعل ذلك بصفتين اثنتين، إحداهما أنها تتبوأ موقع نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن، والثانية أنها تتحرك هذه الأيام بصفتها المرشح الرسمى للحزب الديمقراطى فى السباق إلى البيت الأبيض.. وربما أضفنا إلى ذلك صفة ثالثة هى أنها تتكلم بلسان المنتصر فى مناظرتها مع مرشح الحزب الجمهورى الرئيس السابق دونالد ترمب.
وأنا أضيف هذه الصفة الثالثة لأن عائشة لقيت مصرعها قبل المناظرة بأيام، وتكلم عنها الإعلام الأمريكى وأثار موضوعها باهتمام.. ومع ذلك، فإن الموضوع لم يصادف اهتمامًا خاصًّا من مرشحة الحزب الديمقراطى إلا بعد المناظرة.. فهل كان إحساسها بنشوة الانتصار على ترامب هو السبب؟.. ربما، بل مؤكد لأنه لا تفسير آخر.
وتبدو عائشة نور من اسمها وكأنها عربية، ولكن الحقيقة أنها تركية الأصل تحمل الجنسية الأمريكية من وقت مبكر وتعيش فى مدينة سياتل الشهيرة.. ويكفى بالطبع أن تحمل هذه الجنسية لتصبح محل اهتمام ساكن البيت الأبيض ونائبته.. فالرئيس بايدن نفسه اهتم شخصيًّا بموضوعها، وأطلق حوله تصريحات صحفية يؤنب فيها إسرائيل، ثم تراجع- للأسف- خطوات إلى الوراء وقال ما معناه أن مقتلها لم يكن عن قصد.
ولكن على الجانب الآخر، لم يتم ضبط بايدن ولا تم ضبط نائبته فى حالة مماثلة أو حتى مشابهة من الاهتمام بمصرع أكثر من عائشة على الجانب الفلسطينى.
وعندما أتحدث عن أكثر من عائشة على الجانب الفلسطينى، فأنا أتحدث عن آلاف لا عن مئات ولا حتى عن عشرات.. ويكفى أن نعرف أن عدد ضحايا المقتلة الإسرائيلية الجماعية فى قطاع غزة وصل إلى ٤١١١٨ من الأطفال والنساء والشيوخ، وبالإجمال من المدنيين العُزّل، الذين لا سلاح فى أيديهم يدافعون به عن أنفسهم، وهذا الرقم بالمناسبة جرى الإعلان عنه فى اليوم نفسه الذى دعت فيه هاريس إلى المحاسبة الكاملة إياها.. ولا معنى لذلك كله إلا أن مرشحة الحزب الديمقراطى تنظر إلى عائشة الأمريكية بعين مفتوحة على آخرها، بينما تتطلع إلى كل عائشة فلسطينية فى المقابل بعين مغمضة لا ترى شيئًا.
والشاعر كان قد لخص القضية فى مجملها فقال: «قتلُ امرئ فى غابة جريمة لا تُغتفر.. وقتلُ شعب آمن مسألة فيها نظر!».