بقلم: سليمان جودة
تعرف إسرائيل معنى أن يكون الإعلام حرا فى نقل الحقيقة للناس، ولذلك كان قرارها إغلاق مكتب قناة الجزيرة فى رام الله بموجب أمر عسكرى!. ولأن القرار صدر فى زحمة الجنون الإسرائيلى فى قطاع غزة، وفى الضفة الغربية، وفى جنوب لبنان، فإنه لم يستوقف الغالبية من المتابعين للأحداث، ولا أثار انتباه المشغولين بما ترتكبه تل أبيب من جرائم على الجبهات الثلاث. ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى تطارد فيها إسرائيل الإعلام وتطرده، فلقد أقدمت على الأمر نفسه مع الجزيرة ذاتها مرات من قبل.. لكن فى هذه المرة توجه عشرة جنود إسرائيليين إلى مكتب القناة فى مبنى سيتى سنتر فى الضفة، واقتحموه بدون سابق إنذار، وسلموا مدير المكتب وليد العمرى أمر الإغلاق!. أما الإعلاميون الذى فقدوا حياتهم فى غزة فلقد تجاوز عددهم المائة، أما استهداف الإعلام الذى ينقل ما يدور على الجبهات الثلاث للعالم فهو سلوك يومى لا تتوقف حكومة التطرف برئاسة بنيامين نتنياهو عن ممارسته على مرأى من الدنيا. وقد نتصور أن حكومة التطرف تمارس ذلك لمنع الإعلام من نقل ما ترتكبه فى حق الفلسطينيين أو حتى اللبنانيين مؤخرا.. قد نتصور هذا دون أن نلتفت إلى أن هذا ليس الهدف الأساسى من إغلاق كل عين إعلامية مفتوحة فى غزة، أو فى الضفة، أو فى جنوب لبنان.. إن الهدف الرئيسى هو منع الإعلام من نقل ما تخسره إسرائيل على الأرض، وليس منعه من نقل ما ترتكبه من مجازر!. فالجنود فى جيش الاحتلال الإسرائيلى فى أسوأ حال.. بعضهم أصيب بالجنون من هول ما رآه فى غزة من فظائع.. وبعضهم يرفض الذهاب إلى غزة أصلا.. يرفض حتى ولو كان يعرف أنه سيواجه تهمة العصيان لأمر عسكرى.. والبعض الثالث فقد حياته وعاد إلى أهله فى صندوق.. والبعض الرابع أقدم على الانتحار.. وهذا كله ليس سرا، وإنما تتسرب عنه أنباء من وقت لآخر. لكن حكومة التطرف تتخيل أنه سر من الأسرار، وتقاتل على الجبهات الثلاث مرتين: مرة فى مواجهة الصامدين من الفلسطينيين واللبنانيين، ومرة فى مواجهة الإعلام الذى يرصد الثمن الذى تدفعه إسرائيل ويؤلمها ساعات الليل والنهار.. وإذا كانت هى تتظاهر بغير ذلك وتحاول أن تبدو متماسكة، فهذا لا ينفى أنها تنزف باستمرار، وستظل تنزف ما لم تنشأ للفلسطينيين دولة على أرضهم المحتلة لأنه لا حل آخر.