بقلم - سليمان جودة
لا يأتى رمضان إلا ويحرص كثيرون بيننا على أن ينتهوا من قراءة القرآن كاملا على مدى الشهر، لكن الأمر اللافت أن القراءة لكتاب الله طوال شهر الصيام تظل قراءة تعبدية، لا قراءة تأملية تتطلع إلى معانى الكتاب التي تتصل بحياتنا.
والفارق كبير جدا بين القراءتين، لأن الأولى قراءة من أجل الثواب في الحياه الآخرة، لكن الثانية تظل من أجل إعمار الأرض، التي ستتغير من حولنا ألف مرة، إذا قرأنا القرآن بالمعنى الثانى، ولن تتغير مرة واحدة، ولو قرأناه ألف مرة بالمعنى الأول.
إن فعل «انظر» يتكرر في القرآن كثيرا، فتجده يقول: «انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا».. وتجده يقول: «انظر كيف ضربوا لك الأمثال فَضَلوا فلا يستطعون سبيلا». وهاتان آياتان على سبيل المثال لا الحصر، لأن الآيات بهذا المعنى متعددة وكثيرة، ولكن المعنى فيها واحد لا يختلف.
ومن المفهوم أن النظر المقصود في الآيتين هو نظر العقل لا نظر العين، لأننا جميعا ننظر بالعين، ولأن القرآن ليس في حاجة إلى أن يأمرنا بأن ننظر بأعيننا، لكنه بالتأكيد في حاجة إلى لفت انتباهنا إلى أن النظر بالعقل هو المطلوب، إذا ما كانت القراءة قراءة مختلفة للقرآن، وإذا ما كان إمعان النظر في خلق الله هو المراد.. ولابد أن الذي وصف القرآن حين سمعه للمرة الأولى بأنه «لا تنقضى عجائبه» لم يكن يقول إلا ما أحس به عند وهلته الأولى، لأن العرب أهل لغة في الأساس، ولأنهم أدرى بالأسرار فيها، ولهذا، فإن السماء راحت تتحداهم أن يأتوا بمثله، أو حتى بآية واحدة من آياته.
وأنت إذا قرأت القرآن ألف مرة، فسوف تكتشف في كل مرة ما لم تجده من المعانى في المرة السابقة، وستشعر في المرة الألف وكأنك تقرؤه للمرة الأولى.. ولاتزال مشكلة المسلمين أن كلماته تجرى على ألسنتهم بغير أن تمر على عقولهم، وأنهم يطالعونه بغير تأمل فيما وراء الكلمات من المعانى الحياتية الكبيرة.
وحتى التفاسير التي تيسر القرآن على قرائه، كانت ولا تزال تفسره التفسير اللغوى الذي يزيل غموض كلمة هنا، أو يبدد ما قد يحيط بآية من عدم وضوح هناك، وفى كل الحالات لم يكن هذا هو التفسير الذي نحتاجه.. إننا أحوج ما نكون إلى التفسير العقلى الذي نستطيع به ليس فقط عمارة الأرض، وإنما التفوق بين شتى الأمم التي تؤمن بكتب مقدسة متفرقة، لكنها تجتمع على الإيمان بالعقل في كل أمور الحياة.
القرآن الذي نقرؤه على سجادة الصلاة، وفى الجامع، يحتاج هو نفسه أن نقرأ معانيه في كل موقع عمل، وفى كل معاملة مع الآخرين، لأن الأول لك وحدك، لكن الثانى للمجتمع والناس.