صناعة الاسم والنجم في دمشق

صناعة الاسم والنجم في دمشق

صناعة الاسم والنجم في دمشق

 صوت الإمارات -

صناعة الاسم والنجم في دمشق

بقلم: سليمان جودة

 

تعرف السينما عملية صناعة النجم على شاشتها، ولكن تبيَّن أن العملية ليست حكراً على الشاشة الكبيرة، وأن تجلياتها يمكن أن تمتد إلى دنيا السياسة، وهذا ما نفهمه مما تابعناه في سوريا منذ السابع والعشرين من الشهر المنقضي، ولا نزال.

في ذلك اليوم بدأ زحف قوات «هيئة تحرير الشام» من حلب في الشمال إلى العاصمة دمشق في غرب وسط البلاد، وكان على رأس الهيئة رجل اسمه «أبو محمد الجولاني» وكانت هذه هي كُنيته التي اشتهر بها، لا اسمه الحقيقي الذي سيشتهر به لاحقاً. وإذا كنت أقول إنه رجل كان اسمه كذا فلأنه وقتها كان وجهاً جديداً بالنسبة إلى كثيرين في المنطقة، أما اسمه الحقيقي فهو أحمد الشرع، وقد راح الاسم يطفو على استحياء مع تواصل زحف القوات، فلمَّا سقط بشار الأسد ونظامه، صار صاحب الاسم هو المرشح لأن يحل في محل الأسد الهارب، وفي سبيل ذلك بدأت معه عملية صناعة الاسم والنجم، وقطعت خطوات في سبيلها المرسوم.

ومن الواضح أن وراء العملية فريقاً يعمل بهمِّة عالية، ولكننا بالطبع لا نرى الفريق ولا نرى أعضاءه، تماماً كما يحدث في السينما عندما نتابع أثر عمل الفريق في صناعة النجم، فنرى وجه النجم ذاته في شتى مراحله، ولا نرى الذين يعملون على صناعته من وراء ستار.

وقد انتقلت أصابع فريق العمل من الاسم إلى الشكل، فظهر أحمد الشرع على شبكة «سي إن إن»، وقد أخذت هيئته تختلف كلياً عمَّا كانت عليه من قبل؛ فاللحية تم تشذيبها لتصبح لحيةً عصرية، وشعر الرأس جرى فيه المشط والمقص فتغيَّر ترتيبه وتنسيقه ومنظره، والعمامة اختفت ليحلَّ بدلا منها القميص والبنطلون، أما لونهما فكان قريباً من اللون الذي يظهر به الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ بدأت روسيا حربها على بلاده، وهذا ما أغرى كثيرين بأن يضعوا صورتين للرجلين متجاورتين على مواقع التواصل. وحين حدث هذا، فإن وجوه الشبه بدت واضحة جداً للعين المجردة. ولكن بدا أن هذه المقارنة لم تكن مريحة لفريق العمل، فكان الاختيار أن يخرج الشرع على الناس بالجاكيت والقميص والبنطلون، لأن المقارنة بينه وبين زيلينسكي يبدو أنها مقارنة غير مطلوبة.

ومن الاسم والشكل انتقلت عملية صناعة الصورة الجديدة إلى السلوك في التعامل مع الآخرين، لأن صورة محددة ومكتملة يُراد لها أن تترسخ في الأذهان، لا مجرد شكل يظهر به صاحبه ويبدِّل فيه ويغيِّره من مرحلة إلى مرحلة.

وتجلَّى السلوك في اللقطات التي ظهر فيها الرجل مع فتاة سورية، وقد لاحظ الذين تابعوا اللقطات ووقفوا عندها أن الشرع لم يمانع في الظهور مع الفتاة السورية في صور منشورة، وأنه فقط طلب من الفتاة أن تغطي شعرها، وقد استجابت هي طبعاً لأنها كانت تعرف أنها تتصور مع نجم سياسي صاعد، واستجاب هو لأنه يعرف أن هذه صورة ستجد طريقها إلى وسائل التواصل الاجتماعي، بل إلى ما يسمى الترند الذي يعني سعة الانتشار على هذه الوسائل. وإذا افترضنا أن ملامح الصورة قد اكتملت عند هذا الحد، فالمطلوب بعد ذلك أن ينتقل العمل من الصورة إلى المضمون وراءها.

هذا ما سوف تلمحه في الكلام المحسوب الذي خرج ويخرج من الرجل، أو حتى في نوعية الأماكن المختارة التي بدأ يظهر فيها، سواء كان الظهور هو الأول في الجامع الأموي في العاصمة، بكل ما لهذا الجامع من رمزية لدى السوريين، وكذلك لدى غير السوريين خارج حدود البلد، أم كان ظهوراً بين آحاد المواطنين كما حصل في الصورة مع الفتاة.

من بين الكلام المحسوب ما قاله الشرع عن أن الأكراد السوريين جزء من سوريا، وأنهم شركاء في صناعة المستقبل وفي الذهاب إليه. كان صدى الكلام لدى الأكراد إيجابياً، وكان الدليل أن مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، أبدى ما يشير إلى أن الكلام محل رضاه، وكان هذا في حد ذاته هو المطلوب في المرحلة الحالية على الأقل. وبالتوازي مع هذا الكلام تعهَّد الشرع بحل كل الفصائل في سوريا، وحصر السلاح في يد الدولة.

هذا معناه أن جولاني اليوم ليس جولاني الأمس، وبعبارة أخرى فإن القصد هو أن أحمد الشرع شيء، فيما أبو محمد الجولاني شيء آخر ولا صلة بينهما، والقصد أيضاً أن رسالة بعينها يُراد تمريرها من بين تفاصيل المشهد.

كان المعنى أن الرجل الذي عرفناه من قبل يمارس عنفاً أو يدعو إليه لم يعد كذلك، وأنه تخلى عن العنف والدعوة إليه، وأنه قد نبذ الأفكار القديمة المتشددة، وأنه وأنه... إلى آخر ما يمكن أن يقال في هذا الاتجاه. لقد وجدنا أنفسنا إزاء عملية كاملة الأركان في صناعة الاسم والنجم تجري أمامنا، أو أن هذا هو ما يتبدى لنا إلى الآن ثم إلى ما شاء الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة الاسم والنجم في دمشق صناعة الاسم والنجم في دمشق



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية

GMT 11:42 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المصممون يضعوا لمسة "الأهداب" الأنيقة لأحذية الرقبة

GMT 23:56 2015 السبت ,11 تموز / يوليو

الأمطار تغرق المناطق المنخفضة في روالبندي

GMT 07:31 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

"THQ" تُقرر عدم إصدار لعبة "Avengers"

GMT 09:19 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

واريورز ينتصر على دالاس مافريكس في دوري السلة الأميركي

GMT 08:25 2015 السبت ,14 شباط / فبراير

ظهور ضوء مبهر وصوت هائل في سماء نيوزيلندا

GMT 10:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أمل رزق تستعد للمشاركة في مسلسل "للحب فرصة أخيرة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates