بقلم : سليمان جودة
ما يميز مصر فى علاقتها مع إسرائيل أن المحروسة تملك خبرة طويلة معها سلمًا وحربًا، فلا توجد دولة عربية حاربت الدولة العبرية كما حاربناها نحن، ولا توجد دولة عربية خاضت معها تجربة سلام كما خضناها نحن أيضًا.
والتلكؤ أو التردد الذى نتابعه من جانبهم فى الالتزام بموعد الهدنة فى غزة عرفناه نحن مرارًا فى الحرب وفى السلم معًا، ولا توجد تجربة تماثل تجربة السادات معهم، ويمكن القول إنه- يرحمه الله- كان صاحب خبرة مع الساسة والجنرالات الإسرائيليين لا مثيل لها ولا نظير.
وإذا شاء أحد فليرجع إلى تفاصيل مفاوضات السلام بينه وبينهم، فهى مفاوضات بدأت مع زيارة الرجل إلى القدس فى ١٨ نوفمبر ١٩٧٧، واستمرت حتى عقد معاهدة السلام فى ٢٦ مارس ١٩٧٩، ومن بعدها كنا على موعد مع جولات وجولات إلى أن تحررت سيناء بالكامل فى ٢٥ إبريل ١٩٨٢، ثم كانت هناك بقية طالت سبع سنوات لاسترداد طابا إلى أن عادت فى مارس ١٩٨٩.
هذه قصة طويلة، وتفاصيلها مثيرة، وقد كان السادات كلما ضاق بألاعيب مناحم بيجين راح يحزم حقائبه ليعود من كامب ديفيد، إلا أن يتدخل الرئيس الأمريكى كارتر، فتبدأ المفاوضات ومعها الألاعيب من جديد.
ولكن لأن السادات كان رجل دولة من أعلى طراز فإنه كان يناور طبعًا، وكانت حكاية حزم الحقائب فى حقيقتها نوعًا من المناورة، وكان وهو يناور لا ينشغل بالتفاصيل، ولم يكن ينسى أن عنده هدفًا واحدًا ووحيدًا لا بد أن يصل إليه.. أما الهدف فهو أن تعود سيناء بالكامل، وما عدا ذلك فمسائل فرعية لم يكن يتوقف عندها حتى لا تشغله عن الذهاب إلى هدفه من أى طريق، وإلا ما كانت أرض الفيروز تحت يدنا بكاملها اليوم.
وعندما نعود إلى مذكرات السيدة جيهان السادات نكتشف أنه ذهب إلى اعتقالات سبتمبر الشهيرة مضطرًّا، وأنه اتخذ قراره كمَن يتجرع كأسًا من السم لأنه كان يحس بأن إسرائيل يمكن أن ترجع عن اتفاقها معه، وأن يكون مبررها أن الأصوات التى تهاجمها وتهاجم الاتفاق فى القاهرة كثيرة وعالية.. هذا ما تقوله جيهان السادات فى مذكراتها «امرأة من مصر»، وفيها تقول إن السادات لم يجد حرجًا فى أن يقول لها، وهى تناقشه ليرجع عن قرارات سبتمبر، إن ابنه «جمال» نفسه لو وقف بينه وبين إتمام السلام فلن يعيره أى اهتمام.
هذا ما يجب أن ينتبه إليه العرب، وهذا ما يجب أن يلتفت إليه الفلسطينيون، فالذين دوّخوا سيدنا موسى، عليه السلام، رغم ما اشتهر به من قوة وبأس، سوف يسيرون معنا السيرة نفسها، إلا أن يجدوا أنفسهم فى مواجهة مع رجل بحجم السادات.