الرد في الميدان

الرد في الميدان

الرد في الميدان

 صوت الإمارات -

الرد في الميدان

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

أتطلع إلى خريطة المنطقة مفرودة أمامي، فأرصد فوقها مواضع تطرأ عليها درجة من التصعيد لم تكن موجودة قبل العشرين من الشهر الماضي. فهل هناك علاقة بين هذا التصعيد في مناطق بعينها وبين مجيء الرئيس الأميركي جو بايدن خلفاً للرئيس دونالد ترمب؟!
أتطلع إلى موضع العراق على خريطة الإقليم، فألاحظ أن الهدوء النسبي الذي رافق وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الوزراء لم يعد كما كان في بداياته، وإنما غلبت عليه أجواء من التوتر المتزايد، مع تصاعد في عمليات من التفجير، والاختطاف، والتعذيب، لم تكن بهذا القدر من الشيوع وقت أن كان الكاظمي يخطو خطواته الأولى نحو ما يريده لبلاده.
وهو لا يريد شيئاً سوى أن يعود العراق بلداً هادئاً، ولا يرغب في شيء قدر رغبته في أن تحترم إيران سيادة أرض الرافدين، وأن تحافظ على علاقةٍ ندّية بين البلدين، وأن تفهم أن قرار العراقيين لا بديل عن أن يكون من بغداد لا من طهران!
وقد جاء عليه وقت أرسل فيه رسولاً إلى حكومة المرشد خامئني في إيران، يدعوها إلى أن تستوعب طبيعة ما يسعى إليه في بلده، وأن تضبط حركة ميليشياتها في البلد، فلا تفسد عليه ما يفكر فيه، ولا تستعدي عليها العراقيين الذين يؤيدونه ويرونه صادقاً فيما يقول ويفعل.
ولكنّ الظاهر أن حكومة الملالي الإيرانية لا يعجبها ذلك ولا تستسيغه، وهي لا تتوقف بالتالي عن الدفع بمن يقف في طريق الكاظمي، وبمن يعطل خطواته، وبمن يعيده إلى المربع الأول كلما قطع خطوة أو أكثر في اتجاه ما جاء من أجله إلى موقع المسؤولية.
ولكنّ العراقيين في الغالبية منهم لن ييأسوا ولن يرضوا بأقل من أن يعود البلد إلى ما قبل 2003، الذي جاء فيه الغزو مؤسساً لدستور طائفي لا يمكن أن يستمر ولا أن يعيش!
وأتطلع إلى سوريا الجارة المباشرة للعراق، فأكتشف أن ميليشيا «لواء فاطميون» الإيرانية تنشط فجأة في القامشلي وفي الحسكة شمالاً وشرقاً، وأن مسؤولاً إيرانياً يتحدث عن وجود إيراني سيستمر في سوريا، وأن مسؤولاً إيرانياً آخر يتكلم عن خط بحري سينشأ بين البلدين، بدءاً من ميناء بندر عباس الإيراني إلى ميناء اللاذقية السوري على البحر المتوسط.
أتطلع إلى هذا داخل إطار واحد فلا أراه وليداً للصدفة، ولكني أراه يجري عن قصد خلال الأيام الأولى من ولاية بايدن في البيت الأبيض.
وأتطلع إلى اليمن فلا يغيب عني ولا عن غيري حالة الجنون التي دبّت على نحو مفاجئ في الجسد الحوثي، الذي راح يستهدف مطار أبها الدولي السعودي لأكثر من مرة خلال أيام. ولم يكن غريباً أن يتزامن هذا مع حديث الإدارة الجديدة في واشنطن عن رفع الجماعة الحوثية من قائمة الإرهاب، التي كانت الإدارة السابقة قد وضعتها عليها في أيامها الأخيرة.
أتطلع إلى هناك ويستوقفني بالطبع تصريح المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن عن أن الجماعة هي لعبة إيرانية في النهاية، وعن أن الرد عليها سوف يكون في الميدان، لأن لغة الميدان هي اللغة الوحيدة التي تفهمها الميليشيات من نوع ميليشيا الحوثي.
يستوقفني هذا لأن السلاح الذي جرى به استهداف المطار لم تصنعه جماعة الحوثي في جبال اليمن بالتأكيد، ولأن اليد التي أطلقته إذا كانت حوثية، فالقرار الذي حرّك اليد هو إيراني مائة في المائة، والعقل الذي دبّر من وراء الحوثي هو عقل إيراني أيضاً.
ويستوقفني هذا لأن الإدارة الجديدة في واشنطن ربما كان عليها أن تراجع نفسها في قرار رفع الحوثي من قائمة الإرهاب، لأن الجماعة راحت تستقوي به كما بدا للجميع، ولأنه قرار قد أمدها بما يشبه أسباب الحياة، حتى ولو كانت الإدارة نفسها في واشنطن قد أبقت على العقوبات المفروضة على القيادات الحوثية.
وأتطلع إلى لبنان في آخر الصف، فأسمع رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، يتحدث عن حكومة جديدة ستتشكل رغم كل العقبات الموضوعة في طريقها، ورغم 16 زيارة قام بها إلى الرئيس ميشال عون، لم تنجح كلها في إقناع ساكن قصر بعبدا بأن صالح لبنان يحب أن يتقدم كل ما عداه.
ولكن كيف سيقتنع الرئيس عون بهذا المنطق بينما يده في يد «حزب الله» الذي لا يُخفي ولاءه لإيران، والذي لا يجد حياءً في تقديم مصالح الحزب على صالح البلد؟!
ليست صدفة أن تتشابه الظروف في الدول الأربع، كأنما شيطان يقف خلف ستار محرِّكاً الأحداث من بغداد إلى دمشق إلى صنعاء إلى بيروت!
هذا الشيطان يكمن في مكانه في طهران، ويوجه بما نراه أمامنا على أركان الخريطة قاصداً، وهو يفعل ذلك بهدف أن ترى الإدارة الأميركية الجديدة حصيلة الإشارات الصادرة عنه في العواصم الأربع، لعلها تنتبه إلى أن لديه أوراقاً يمسكها في يده، وأنها أوراق يتعين أن توضع في الاعتبار، إذا ما جلست الإدارة معه على مائدة واحدة تبحث في برنامجه النووي.
يطرأ هذا كله على المنطقة بينما واشنطن تبدو للمتطلع إليها، كأنها لا تزال تتحسس وقع أقدامها فيها، أو كأنها لا تزال تحسب وتجمع وتطرح، وليس أدل على ذلك إلا أن الرئيس بايدن لم يتصل على مدى شهر له في منصبه بأي من زعماء المنطقة بعد، بمن فيهم رئيس وزراء إسرائيل الذي أقلقه تأخر الاتصال عن المعهود، وراح يبحث للتأخر عن تفسير فلا يعثر على شيء!
وقد كانت الرياض تتصرف وفق ما تراه أنسب، حين قالت إنها ستظل تعدّ الجماعة الحوثية جماعة إرهابية حتى ولو كان للأميركيين تقدير آخر في الموضوع.
كانت هذه خطوة سعودية شجاعة تقول إن المملكة أدرى بطبيعة ما ترتكبه الجماعة في اليمن، وإنها أدرى بعواقب هذا التوجه الأميركي مع جماعة لن تستقبله بما يجب، وإن الحكومة في المملكة تستطيع أن تتخذ من الخطوات ما تراه أقدر على حماية مصالحها وصون حدودها، وإن الإدارة الأميركية الجديدة مدعوّة إلى أن تفكر في أمر الحوثي بشكل مختلف.
غير أني أعود إلى عبارات المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن، وأرانا مدعوين إلى التأمل في عبارة من ثلاث كلمات ضمن عباراته تقول إن الرد في الميدان!
هذه العبارة ربما تكون، مع تحويرها بعض الشيء، هي الأدق تعبيراً عما يجب أن يكون من جانب العرب لا السعودية وحدها في المواجهة مع إيران. أما لماذا العرب لا السعودية وحدها، فلأن الحركة الإيرانية المخرّبة في الإقليم حركة ضد العرب، وليست ضد السعودية في حدودها، ولا حتى ضد الخليج كله في إطاره، وإن بدت أنها ضد الخليج وضد الرياض.
وأما التحوير فهو الذي يجعل الميدان في المواجهة مع إيران ميداناً سياسياً، بالتوازي مع مواجهة لا بديل عن أن تكون ذات طابع عسكري مع ميليشياتها في الدول الأربع، ومن بين مبادئ هذه المواجهة سياسياً أن يكون الخليج حاضراً عند إخضاع الاتفاق النووي للمراجعة وأن يكون مشاركاً، لأنه لا جدوى من وراء اتفاق يفصل بين ملف نووي في يد إيران وبين سلوك لها في الإقليم.
إيران تحرِّكها أحلام فارسية في مواجهة كتلة عربية واحدة تراها أمامها، وليست حكاية السُّنة والشيعة سوى واجهة تمد المعركة بوقودها المطلوب، وعلينا ألا نتوقف كثيراً عند الواجهة وأن نتطلع إلى ما وراءها، لأن ما وراءها هو الجوهر في المعركة ولأن الواجهة هي التفاصيل.
المواجهة بطبيعتها إيرانية - عربية، ولا بديل فيها عن توافق عربي على مشروع سياسي يتصدى لمشروع إيران في الإقليم ويوقفه عند الحدود، فما لا تصيبه البندقية في ميدان اليمن في نطاقه، تتكفل به الحركة السياسية الأشمل في ميدان العرب على اتساعه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرد في الميدان الرد في الميدان



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية

GMT 11:42 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المصممون يضعوا لمسة "الأهداب" الأنيقة لأحذية الرقبة

GMT 23:56 2015 السبت ,11 تموز / يوليو

الأمطار تغرق المناطق المنخفضة في روالبندي

GMT 07:31 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

"THQ" تُقرر عدم إصدار لعبة "Avengers"

GMT 09:19 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

واريورز ينتصر على دالاس مافريكس في دوري السلة الأميركي

GMT 08:25 2015 السبت ,14 شباط / فبراير

ظهور ضوء مبهر وصوت هائل في سماء نيوزيلندا

GMT 10:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أمل رزق تستعد للمشاركة في مسلسل "للحب فرصة أخيرة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates