بقلم - سليمان جودة
تابعت وأتابع أصداء حملة الهجوم التى تتعرض لها الأستاذة قصواء الخلالى، لا لشىء، إلا لأنها راحت تتبنى وجهة نظر أهل فلسطين فى مواجهة إعلامية لها مع مسؤول أمريكى على قناة سى بى سى.. تابعت وأتابع وجوه التضامن معها، سواء على مستوى الشركة المتحدة، أو على مستوى المجلس الأعلى للإعلام، أو على مستوى سواهما من مختلف الجهات.
وحقيقة الأمر أننا نخطئ لو تصورنا العكس من مسؤولى الإدارة الأمريكية الحالية، التى بلغ بها التخبط إلى حد أنها رفعت سلاح الڤيتو فى مجلس الأمن عندما استقبل المجلس مشروع قرار بالعضوية الكاملة لفلسطين فى الأمم المتحدة، وكانت النتيجة أن الڤيتو أجهض مشروع القرار.. ولكن الإدارة نفسها تحشد فى المجلس ذاته هذه الأيام لتمرير مبادرة الرئيس جو بايدن لوقف الحرب.. أى أن ما كان حرامًا فى مجلس الأمن وقت مشروع القرار صار حلالًا وقت طرح المبادرة!.
ولم يقف التخبط ولا التناقض عند هذه الدرجة، ولكنه وصل إلى حد أن قال بايدن إنه يشعر بأن وقوف نتنياهو ضد المبادرة وراءه مصلحة سياسية مباشرة له.. وهذا صحيح طبعًا لأن رئيس وزراء إسرائيل يمكن أن يقبل بأى شىء فى الوجود إلا أن يكون هذا الشىء هو أن تتوقف الحرب.. لماذا؟.. لأن وقوفها معناه نهايته السياسية، ومعناه ذهابه إلى العدالة مرتين: مرة فى ٤ قضايا فساد سابقة على تشكيل حكومته الحالية، ومرة فى مسؤوليته عن وقوع هجوم السابع من أكتوبر.
أقول إن هذا صحيح.. ولكن الأصح منه أن سعى بايدن إلى وقف الحرب بهذه المبادرة المتأخرة وراءه هو الآخر مصلحة سياسية مباشرة له لأنه بدأ يرى فى استطلاعات الرأى أن استمرار الحرب ينال من حظوظه فى الفوز فى سباق الرئاسة ٥ نوفمبر المقبل.
هذا هو أصل الموضوع.. فالرئيس الأمريكى لا يريد وقف الحرب لأسباب تتعلق بأنها قتلت ١٥ ألف طفل فلسطينى مثلًا.. وإلا.. فهذه الحرب الوحشية دخلت شهرها التاسع فى ٧ من هذا الشهر.. فأين كانت مبادرته، وأين كانت إدارته، وأين كانت بلاده، بينما حرب الإبادة لا تستثنى أحدًا من الغزاويين فى طريقها على مدى ثمانية أشهر كاملة؟.
ولو أنى ذهبت لرصد مثل هذه المواقف، فسوف تطول قائمة الرصد وتطول، وسوف يكون لها عنوان واحد من كلمتين اثنتين هما: عدم الحياء.
لا تبتئسى يا أستاذة قصواء، فلو حدث العكس واستقبل المسؤول الأمريكى كلامك برحابة صدر سياسية كما يجب، لكان فى هذه الدنيا خلل كبير.. وإذا كنا نقول إنه «رُب ضارة نافعة»، فما أكثر النافع فى هذه المقتلة التى تواصلها إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية، وما أكثر ما كشفت من حكومات، وما أكثر ما أسقطت من أقنعة.