بقلم: سليمان جودة
أحد مساعدى الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبى، ذهب يومًا يلفت انتباهه إلى أن الكويتيين يشترون وحدات سكنية بكثرة فى دبى، وأن هذا يقلقه كمسؤول إماراتى، فاستمهله الشيخ محمد ثم قال وهو يهدئ من قلقه: إذا سمعت عن أحد منهم يحمل شقته خارجًا من المطار فى أى وقت فأبلغنى لأتصرف!.
هذا حدث بالفعل وليس مجرد كلام، ولابد أنه يبعث قدرًا من الطمأنينة لدى الذين يقلقهم أن يقال إن إحدى الدول سوف تحصل على مساحة واسعة فى رأس الحكمة لاستثمارها.. فالأرض التى سيحصلون عليها ستظل قائمة فى مكانها ولن يأخذوها إلى دولتهم، وإذا صح الرقم الذى يجرى تداوله على أنه ثمن المساحة المبيعة، فسوف ينفق المشترى أضعافه لتطوير المكان، وتنميته، وتحويله إلى مقصد فى النهاية.
وعلينا هنا أن نتوقف أمام كلمة تنمية بالذات، وأن نجعلها عنوانًا للمشروعات التى ستُقام على كامل المساحة، لأن الموضوع دائمًا هو موضوع تنمية بالنسبة لنا، أو هو قدرتنا على أن نحول كل عملية بيع إلى عملية تنمية متكاملة، بدلًا من أن تكون مجرد بيع وشراء وحصول على الثمن وفقط.
أقصد بالتنمية بعث الحياة فى أرجاء المكان وفى أوصال الاقتصاد، ولا يكون بعث الحياة إلا بأن تكون الأيدى العاملة فى الموقع مصرية، لأننا أحوج ما نكون إلى أن يكون التشغيل غاية لنا فى كل مشروع، وأن يكون التوظيف هدفًا لنا فى كل موقع استثمار جديد.
التشغيل لابد أن يكون ألف باء كل استثمار نتوجه إليه، خصوصًا الاستثمار الأجنبى الذى يأتى ليعمل على أرضنا، ومن بعد التشغيل سوف نكون على موعد مع الضرائب التى سيؤديها المستثمر على كل جنيه يكسبه.. وهذان الشيئان يكفيان جدًا.. يكفى أن نرى مصريين يتوجهون إلى هناك للعمل.. ويكفى أن نسمع وأن نقرأ أن المستثمر فى رأس الحكمة وفى سواها من المواقع المماثلة قد أدى ما عليه تجاه الخزانة العامة للدولة.
هذان مرة أخرى شيئان حاكمان فى كل استثمار نفتح أمامه الطريق، لأنه ما أعظم أن يجد شاب مصرى عملًا يحفظ عليه كرامته، ويجعله يشعر بإنسانيته على أرض بلده، ويرسخ لديه الإحساس بأن هذا وطنه، وأن مصالحه كمواطن موضع تركيز فى كل ما يجرى ويتم فى البلاد.
رأس الحكمة من أفضل المواقع على البحر المتوسط، إن لم تكن أفضل المواقع كلها هناك، ولا سبيل إلى نجاح استثمارها وتطويرها إلا بأن يحس كل مواطن من بسطاء الناس بأن ما يجرى فيها، وفى عداها من المواقع، إنما يصل جيبه وينتهى إلى بيته.