بقلم: سليمان جودة
لا يتجاوز عُمر رئيس وزراء فرنسا الجديد ٣٥ سنة، ولأن اسمه جابرييل أتال فأنت لا تكاد تجد الاسم أمامك حتى تتذكر جابرييل جارسيا مركيز، أديب كولومبيا الشهير الذى يحمل جائزة نوبل فى الأدب، وصاحب الرواية الأشهر: مائة عام من العزلة.
وقد كان الشاب أتال حديث العالم يوم اختياره رئيسا للحكومة، لأنه الأصغر الذى يشغل هذا المنصب المهم فى بلاده.. ورغم أنه قضى أسابيع قليلة فى منصبه، إلا أنه أثار الاهتمام بحديثه مع صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية فى عددها الصادر يوم ١١ من هذا الشهر.
تكلم جابرييل أتال مع الصحيفة فقال إن حكومته تدرس منع الدخول على مواقع التواصل الاجتماعى لمن تقل أعمارهم عن ١٣ سنة من الفرنسسين.. وفى تفاصيل الخبر أن الذين تقع أعمارهم هناك بين ١٣ و١٥ سنة لا يُنشئون حسابات لهم على مواقع التواصل إلا بموافقة الوالدين.
وكان حديث طويل قد دار حول رئيس الوزراء الفرنسى الجديد، وبالذات حول مدى انفتاحه فى حياته الشخصية، ثم تبين لنا من خلال ما أعلنه حول دخول الصغار إلى مواقع التواصل، وحول ما تفكر فيه حكومته بهذا الشأن، أنه يفرق بين حياته وما يمكن أن يكون فيها على المستوى الشخصى، وبين حياة مجتمع هو مسؤول عنه بحكم موقعه على رأس الحكومة.
وهو يعرف طبعا أنه لن يستطيع فعل ما يفكر فيه، إلا بمساعدة من هذه المواقع، وفى المقدمة منها موقع فيسبوك، ولذلك سارع فقال إن مواقع التواصل تدرك أن ما تفكر فيه حكومته يتعلق بسمعتها بين جمهورها، وأنها لهذا السبب سوف لا تتردد فى التعاون معه، ومع الحكومة التى يجلس على رأسها فى عاصمة النور.
هذه واقعة تدل، فى حد ذاتها، أن بناء المجتمعات يبدأ ببناء الإنسان فى الصغر، وأن مثل هذا البناء يقتضى تربية تقوم على مبادئ وقواعد وتقاليد قوية، وأن المجتمعات التى لا تراعى ذلك تدفع الثمن فى الكبر، أى عندما يكبر هؤلاء الصغار الذين يفكر فيهم أتال، وفيما يجب ألا يشاهدوه إذا كانوا فى سنة معينة.
كان أتال وزيرا للتربية والتعليم والشباب قبل أن يكون رئيسا للحكومة، ولا بد أن خلفيته فى هذه الوزارة تلهمه الأفكار فى المنصب الجديد، وتجعله يعمل فى رئاسة الوزارة بتجربة جاهزة ورصيد سابق، وهو بقراره المرتقب حول علاقة الصغار بمواقع التواصل، إنما يقول إن التعليم لابد أن تسبقه تربية أو تتوازى معه، لينشأ جيل يمكن الاعتماد عليه فى العمل وفى البناء.