بقلم - سليمان جودة
لا حديث بين ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية، هذه الأيام، إلا عن ضابط المخابرات الليبى السابق، أبوعجيلة محمد المسعود.. والقصة تعود إلى يوم ١٦ نوفمبر عندما كان «أبوعجيلة» فى بيته فى حى أبوسليم فى العاصمة الليبية طرابلس، فجاءت قوة من جهاز تابع لحكومة عبدالحميد الدبيبة، واصطحبته معها إلى مدينة مصراتة، البعيدة عن العاصمة ٢٠٠ كيلو، ومنها إلى مالطة، ثم إلى واشنطن.
وعندما ظهر فى العاصمة الأمريكية لم يعرف أحد كيف وصل إلى هناك، ولا متى!.. ولكن ما عرفناه أنه ماثل أمام القضاء، وأن جلسة محاكمة أولى انعقدت له فور وصوله، وأن الثانية فى ٢٧ من هذا الشهر، وأن الاتهام هو مسؤوليته عن تفجير الطائرة الأمريكية بان أمريكان فى سماء اسكتلندا البريطانية.
وكانت الطائرة فى طريقها من لندن إلى الولايات المتحدة، وكان ذلك يوم ٢١ ديسمبر ١٩٨٨، فسقطت بتفجير قنبلة فى داخلها، وكان سقوطها فوق منطقة لوكيربى فى اسكتلندا، واشتهرت من يومها بأنها طائرة لوكيربى، وراح ضحية العملية ٢٧٠ شخصًا، غالبيتهم من الأمريكيين.
بعدها تبين أن وراء العملية شخصين ليبيين، هما عبدالباسط المقرحى، والأمين خليفة فحيمة، وقد خضع الاثنان لمحاكمة فى هولندا، برّأت الثانى، وحصل الأول على حكم بالسجن، ودفع العقيد القذافى تعويضات بمئات الملايين من الدولارات لأسر الضحايا، وتم إغلاق الملف نهائيًّا باتفاق بين الحكومتين، أيام بوش الابن.
ولكن لسبب غير مفهوم، جرى فتح الملف من جديد، ولسبب غير معلوم، تم خطف «أبوعجيلة» إلى الولايات المتحدة، ومما قيل، فى يوم الجلسة الأولى للمحاكمة، أنه خضع للتحقيق فى بلده عام ٢٠١٤ على يد الحكومة التى جاءت بعد القذافى، وأنه اعترف فى التحقيق بأنه هو الذى صنع القنبلة التى فجرت الطائرة.
وهذا صحيح، كما أنه لا أحد يقر عملية تفجير بان أمريكان، ولا أى طائرة سواها، ولكن لا أحد فى الوقت نفسه يقر اختطافه بهذه الطريقة، ولا أحد يقبل أن تتصرف الولايات المتحدة بهذا الأسلوب، ثم تتحدث بعد ذلك عن قيادتها للعالم.. فقيادة العالم لا تكون بالقوة وحدها، ولكنها تكون بأشياء أخرى إلى جوار القوة، فإذا غابت هذه الأشياء، وفى المقدمة منها احترام القيم والشعوب، صارت القوة غطرسة مجردة.
أما حكومة الدبيبة، التى تخضع طرابلس لسيطرتها، فقد مرّرت العملية للولايات المتحدة، ليكون الثمن دعمًا سياسيًّا أمريكيًّا تتلقاه للبقاء فى الحكم.