بقلم - طارق ترشيشي
مجدداً، يعود الخلط خلافاً للطبيعة بين السياسة والاقتصاد وبين السياسة والقضاء، ليتكشّف وجود عملية خلط شاملة بين السياسة والاقتصاد والقضاء، من شأنها إذا استمرت أن تؤدي الى سقوط هيبة مؤسسات الدولة وانعدام الثقة بالقضاء نتيجة الانتقائية والكَيل بمكاييل عدة وعدم وجود فصل حقيقي بين السلطات، بحسب ما ينص الدستور.
مَبعث هذا الكلام هو إعادة فتح ملف القروض السكنية لأبناء الرئيس نجيب ميقاتي، فهذا الملف كان قد فُتح سابقاً على أساس «قانون الاثراء غير المشروع»، وها هو يفتح الآن على أساس «تبييض الاموال» مُتنقّلاً بين بيروت وجبل لبنان، علماً أنّ القضية الاساس التي كانت قد أُثيرت تتعلق بقروض تجارية مدعومة حصل عليها أبناء ميقاتي وآخرون، وفق الأصول القانونية والمصرفية المرعيّة الاجراء التي تُتيح للجميع الحصول على مثل هذه القروض المُدرجة ضمن سلّة خاصة في المصارف وليس لدى مصرف لبنان.
إذاً، في الأساس كانت القاعدة القضائية للمحاسبة في هذا الملف هي «الإثراء غير المشروع»، لكن بعد الاستدعاء الجديد لأبناء ميقاتي بَدا انه لم تعد هناك قاعدة واضحة في الاستدعاءات وأي شأن آخر، خصوصاً بعد الذي حصلَ في موضوع التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وانسحاب شركة «ألفاريز اند مارسال» منه نتيجة تَملّص المعنييين من تزويدها المعلومات والمستندات اللازمة، ومن ثم قرار مجلس النواب المُستند الى رسالة رئيس الجمهورية بشمولية هذا التدقيق كل الوزارات والادارات العامة والمصالح والبلديات، وليس حسابات مصرف لبنان المركزي حصراً.
يقول المعنيون بهذه القضية انّ النائب العام في جبل لبنان القاضية غادة عون أثارت القضية بدايةً على أساس قانون «الاثراء غير المشروع»، ولكنها تستدعي الآن ابناء ميقاتي للاستماع اليهم في «تبييض اموال»، مع العلم انّ الملف الاساس في القضية هو لدى قاضي التحقيق في بيروت وليس في جبل لبنان. لكنّ استدعاءهم للاستماع اليهم في «تبييض اموال» امام النائب العام في جبل لبنان دفعَ المعنيين الى التساؤل عن جواز التغيير في اساس القضية، في وقت لم يتمّ الاستماع الى الرئيس نجيب ميقاتي شخصياً أو أخذ إفادته في القضية الاساس، وكيف يتم تغيير أساس الدعوى ومن مكان الى مكان فيما لم يَستفِد المرجع القضائي المختص من إفادة المدعى عليه في الاساس الاول، اي «الاثراء غير المشروع»، قبل الانتقال الى «تبييض الاموال»؟! فأبناء ميقاتي في الاساس حصلوا على قروض مدعومة من سلّة قروض لدى المصارف مُتاحة للجميع، وليس لهم وحدهم. لذلك، يَشتبه المعنيون في وجود خلفيات أخرى لهذا الملف في زمن التعقيد الذي يواجه الاستحقاق الحكومي واستحقاقات داخلية أخرى تتصل بمصير البلد ومستقبله.
وفي هذا السياق، يتوقف هؤلاء المعنيون حول توقيت تَحريك هذا الملف في كل مرة، ما يَجعل المراقبين يتساءلون هل انّ هذا التحريك هو فعلاً في إطار صيرورة قضائية غير واضحة المعالم، في وقت لم يسمع احد انّ القضاء طلبَ من صاحب الشأن الاساسي، أي ميقاتي، ان يُدلي بإفادته في هذا الصدد؟
ويضيف المعنيون انه في كل مرة تُثار فيها هذه القضية يُلفَت النظر التوقيت الذي يُعاد فيه نَفض الغبار عنها، وهي ما تزال بمثابة «جوز فارغ» على صعيد بنيان الملف الداخلي. وبالتالي، لا يمكن لِمَن يتابع حركة الوقت إلّا أن يبحث في دهاليز السياسة وفي «لعبة المكامن» الرائجة جداً في «سوق السياسة» في البلد هذه الايام، خصوصاً انّ المعنيّ الاول بالتهمة نجح في المرحلة الماضية في تَجاوز مجموعة من «المُفخّخات والالغام» في لعبة حَرق الاسماء الرائجة على ساحة السنّية السياسية في المرحلة الماضية، ويبدو انّ نجاح الرجل في تَجاوز اكثر من مكمَن قد ساءَ البعض ولم يبقِ لديهم إلّا هذه الشَمّاعة ليستخدموها «غُب الطلب»، وهذا مرتبط ايضاً كما يبدو بتعقيدات المشهد الحكومي والحسابات السياسية في المرحلة المقبلة، علماً أنّ لدى المعنيّ الاول بهذا الملف كثيراً من الكلام الذي سيقوله في التوقيت المناسب».
على أنّ الذي أطلقَ لحظة البداية في هذا الموضوع، يُقال انّ ثروته الشخصية ازدادت كثيراً في سنوات شراكةٍ مع وزارات غابرة، وانّ عنوان مكافحة الفساد والادّعاء على الفاسدين الذي درج عليه، ليس إلّا تغطية لثروة سريعة تمّ تجميعها من خلال لعبة مُرابَاة بين الفاسدين وإمكانية فضحهم، اضافة الى ملفات مكلّفين كان يتم الاتصال بهم للمساومة على مبلغ 20 % مقابل «تَظبيط» كلّ ملف من ملفاتهم، ويُقال انّ هذا «الشريف» مَحظيّ لدى أحد المتعهدين الكبار، الذي استقدَمَ له أدوات ناديه الرياضي الموجود داخل منزله من اليابان.