بقلم - سمير عطا الله
خلال المرحلة السورية في لبنان رُفعت شعارات كثيرة لتأكيد عمق الأواصر بين البلدين، منها «شعب واحد في بلدين» و«وحدة المسار والمصير». ولم يكن مهماً أن تغلب الشاعرية على الحقيقة، فمثل هذه المواقف لا تتطلب مشورة ولا موافقة.
لا ندري عن المصير حتى الآن. لكن لم يعد هناك شك في وحدة المسار. أيام الانتداب الفرنسي على البلدين كان البنك المركزي واحداً (بنك سوريا ولبنان)، وبعد الاستقلال، اختارت سوريا نظاماً اقتصادياً ثورياً يعطي الليرة قوة قومية، واختار لبنان نظاماً حراً يعطي الليرة قوة شرائية، وعندما انتقلت سوريا من النظام القومي إلى نظام «وحدة حرية اشتراكية»، ومن الجمهورية إلى القُطر، وأمّمت الشركات والمصارف والمصانع، انصرف لبنان إلى إنشاء البنوك، عاليها وواطيها. والعالي منها كان أصحابه، أو مدراؤه، سوريون، وكذلك كان حول نصف مليون عامل بصورة دائمة.
الآن، والحمد لله، مسار واحد. الليرة اللبنانية تترنح، والليرة السورية تستغيث. وبينما تهدد لبنان مجاعة مرعبة، تمنع سوريا برامج الطبخ على التلفزيون لكي لا تشكّل صور الطعام تحدياً لمشاعر الذين لا يقدرون على الوصول إليه إلاّ في الصور.
يقال إن مبادرة المنع جاءت من الرئيس بشار الأسد شخصياً، وهو أمر إنساني، لكن الأفضل منه، بلد هادئ وشعب آمن واقتصاد منيع. وفي لبنان، وفي المسار نفسه، خاطب الرئيس ميشال عون الناس قائلاً: «إنني أشارككم أوجاعكم» ولا شك أنه مشكور على هذه المشاعر، لكن الناس كانت تفضل أن تكون بلا أوجاع وآلام وفقر، كما كان الأمر عليه من قبل.
أخطر ما حدث ويحدث في هذا المسار الواحد هو نهاية الطبقة الوسطى التي كانت عصب سوريا وضمان لبنان. لا أدري ماذا يجري في سوريا، لكن في لبنان نخشى أن تتحول خلال فترة وشيكة إلى ريو دي جانيرو أخرى، حيث أصبح الفقر على السطوح، منذ وصول الكولونيل جايير بولسانارو إلى السلطة، مكبلاً بسلاسل العجرفة التافهة، والذي أبلغ شعبه لدى اندلاع وباء «كورونا»، أن الشعب البرازيلي منيع ضده. فكانت النتيجة 10 ملايين إصابة حتى الآن، بينهم الرئيس وزوجته، و253 ألف وفاة.
لكن الإصابة الأكبر في الريو، مثل بيروت، هي انهيار الطبقة الوسطى، الطبقة المنتجة والصناعية وصاحبة الطبابة والتعليم وركن الوظيفة والخدمة المدنية. هذه الطبقة الكبرى والخلافة ومصنع الأجيال، أفقرتها السياسة الاقتصادية الغشيمة والإدارة الحكومية الفاسدة والبليدة والخاملة الفكر والمعرفة.