بقلم:سمير عطا الله
تقول كريستيان أمانبور في مقدمتها لكتاب «نساؤنا في الميدان»، إن النساء اللاتي عملن معها في تغطية حروب العالم وأحداثه هنّ الأكثر جرأة وشجاعة ومهنية. ويروي الكتاب الذي وضعته زهرة حنكير عن «نساء عربيات يراسلن من العالم العربي». ويضم مجموعة من الشهادات الشخصية عن التجارب الصعبة والمحن، التي مرّت بها النساء في مهنة كانت في البدايات للرجال فقط. وكانت المرأة خارج هذا العمل حتى في «المطابخ» الخلفية، ثم أصبحت مذيعة ومقدمة برامج من داخل الاستوديو، وما لبثنا أن رأيناها في «البث المباشر». وكم شعرنا بالحزن عندما رأينا عدداً منهنَّ يسقطن في ساحة الشهادة المهنية، وعمر الصبا.
يتحول «نساؤنا في الميدان»، في عفوية، إلى رسم صورة مؤلمة للمرأة العالم في هذا الحقل. وتتحدث كل مراسلة، أو كاتبة، عن بلدها ونشأتها ومجتمعها قبل أن تنقلنا معها إلى ظروف العمل ومعاناة العاملات.
الحال الأكثر درامية نجدها في شهادة المصوّرة التلفزيونية إيمان هلال، التي تقول إن أسوأ المضايقات والتحرشات تأتي من زملائها في العمل، والباقي من الشارع ووسائل النقل: «إن التفكير في مسألة بسيطة مثل، أي ثياب ترتدين هذا النهار، تتحول في مصر إلى معضلة يومية وحسابات شاقة. كل شيء يتوقف على أي وسيلة نقل سوف أستخدم، ومَن سوف أقابل، وفي أي منطقة. من القاهرة سوف يتم التصوير، هل سوف أضع مساحيق؟ وما لون الثياب المناسب لهذا المكان؟ غير أن المسألة لا تنتهي هنا، بل إن جحيماً من البذاءات والتعابير الجنسية سوف ينفتح أمامي من اللحظة التي أضع فيها قدمي في المترو».
من خلال «نساؤنا في الميدان»، سوف نقرأ «ملحمة المرأة العربية» وليست قصة «الصحافية» العربية. وأيضاً ملحمة الرجل والإنسان والإيتام. وسوف تسمع سيدة عراقية تشرح لماذا تعثر المرأة على عمل بهذه السهولة، ولماذا؟ لأنه بسبب الحروب التي خاضها العراق أصبح عدد النساء أكثر من عدد الرجال أيضاً. عام 2007 أُعطيت جائزة صحافة المرأة الدولية لستِّ سيدات من العراق: جائزة الشجاعة!
تحتاج قراءة «نساؤنا في الميدان» إلى الكثير من قوة الاحتمال. تلفتك إلى عالم نسيت أنك تعيش فيه. وتوقظك إلى أنك تبلّدتَ ولم تعد مآسي الأمة سوى خبر متكرر على الشاشة. تروي هناء علاّم أن القناة التي كانت تعمل لها في العراق في «عام الانفجارات»، طلبت منها، بعد فترة من موجات التفجير اليومية، أن تتوقف عن تغطية الحدث الذي لا يزيد ضحاياه على العشرين، ثم على الأربعين، ثم على الثمانين... البشر بعوض في الشرق الأوسط.