بقلم : سمير عطا الله
ليس من لا يعرف في عالم الآداب جورج أورويل ورائعتَيه «مزرعة الحيوان» و«1984». من خلال السرد الرمزي، يصور عالماً سوف يعيش في ظل الرقيب والديكتاتور، متخذاً من ستالين وموسوليني نموذجاً. قلائل يعرفون أن أورويل لم يكن الرائد في هذا النوع من التخيل الواقعي. هو، والبريطاني الآخر، هـ. ج. ويلز، وسواهما، قلدا، إلى حد بعيد، السوفياتي يفغيني زامياتين، الذي أصدر عام 1920 رواية «نحن».
لم يكن التلفزيون قد عُرف بعد. ولذلك، تخيّل زامياتين «الدولة الواحدة» مبنية كلها من زجاج، بحيث يمكن مراقبة جميع السكان، في كل حركة يأتون بها، إلا ساعة واحدة في اليوم، يمكن للمواطن فيها أن يخلو بنفسه.
بعد التلفزيون وكاميرات المراقبة في كل مكان، أصبح العالم أجمع يعيش في الدولة التي تخيلها زامياتين، خصوصاً المشاهير. اللقاء بين الرئيسين الأميركيين، بايدن وترمب، كان في بيت من زجاج. الرئيس المقيم يستقبل الضيف بسيل من الابتسامات المرسومة، والرئيس الآتي يبذل جهداً فائقاً في تصنع الاكْفِهْرَار لكيلا تنزلق منه ابتسامة، أو طرف ابتسامة، للرجل الذي أخّر وصوله إلى البيت الأبيض أربع سنوات!
أعتذر من جنابكم في فتح قوسين كي أعود إلى مصطلح «لغة الجسد» المنقول عن خطأ في الأساس. الجسد لا لغة له. الذي ينفعل، ويغضب، ويفرح، ويدمع، ويحمرّ، ويصفرّ، وينفرج، ويضيق، ويتبرم، هو الوجه من الجسد. أحياناً تساعده حركة من ذراع، أو شيء من هذا، لكن «النطق الصامت» أو «اللغة الإضافية» هما تعابير الوجوه. وأرجو ألا يصحّح لي أحد بـ: «ماذا عن لغة البكم؟»، رعاهم الله، فهي ليست لغة مولودة، بل إشارات متعارف عليها. والإشارات شيء والأمائر شيء. فتلك لغة يتعلمها البعض، وتلك لغة يتحدثها الجميع.
في أي حال، وقد قلنا قولنا هذا، ووضعنا المسألة بين يدي أعرافكم ومعارفكم وجليل عدالتكم، وبهذا الالتماس، نلفت انتباهكم أيضاً إلى أن عالمنا سوف يعيش السنوات الأربع المقبلة مع أكثر الوجوه بلاغة وتعبيراً: إذا حكى وإذا اكتفى. ولن يكتفي.