بقلم: سمير عطا الله
لم نكفَّ عن انتقاد لبنان. وضعنا عليه اللوم في أشياء كثيرة ومراحل كثيرة. طالبناه بأن يفتدي جميع العرب كواجب، ثم اتهمناه بالتقصير. بقي الجبهة الوحيدة المفتوحة في وجه إسرائيل، وبقينا نتهمه بالعمالة. كان الراحل ياسر عرفات يستعرض جيش منظمة التحرير في مطار بيروت وهو يستقبل ضيوفه «الرسميين» على بعد 5 كيلومترات من القصر الجمهوري، و3 من البرلمان ورئاسة الحكومة. وكان الجيش السوري يدخل إلى لبنان ويخرج باسم العلاقات المميزة، فيما يدير ضابط سوري من البقاع الشؤون السياسية في البلاد، كلها وجميعها.
بقي البلد متماسكاً وله هوية وعَلَم وجواز سفر يغادر به الشبان طلباً لعمل في الخارج. فالاقتصاد لم يستطع الصمود أمام الخضّات السياسية وانفصام الناس والتهديد الخارجي وعتاة الفساد. وبسبب هذا الفريق الشرير، يتهاون صمود البلد أمام غلبة الديون والسرقات واللؤم.
اليوم، يذهب لبنان إلى الانتخابات البرلمانية رغم كل شيء، ولا يزال في رصيده ما يبقيه بلداً فريداً في هذا الشرق المتهالك: أكثر من 300 سيدة رشحت نفسها من أجل مقاعد نيابية يتنافس عليها أيضاً أكثر من 900 رجل.
وعندما تطالعك صور وأسماء المرشحين، ترى بينها عشرات الأرمن الذين لهم في البرلمان خمسة مقاعد، وترى أسماء من جذور سريانية أو كردية.
ما من بلد آخر تتمثل فيه كل هذه الهويات والتيارات والاتجاهات. فهذا الشرق مصبوب في قالب سياسي واحد، ولذا يتعرض للانفجار والتفتت عند أول تغيير. أما لبنان، فقد اعتاد أنه ليس من الضروري أن تتحول الرياح إلى عاصفة. وتطل نوافذ اللبنانيين بعضها على بعض متناغمة ومتعايشة. وتعبر بيروت من شارع إلى شارع، فتعبر من مجتمع إلى آخر، ومن تقاليد إلى أخرى.
لقد قاوم النموذج اللبناني عواصف ومتغيرات الزمان وزلازل المنطقة. والتحالفات الانتخابية تبدو مضحكة في الظاهر، لكنني ممن يأخذون بكل جدية تحالف «الجماعة الإسلامية» مثلاً مع بعض الأحزاب المسيحية. ولقد كانت الحملة عرضاً جميلاً من عروض القوة وطاقة الاحتمال. وشاهدنا المرأة تخوض في وجه الرجل معركة إعلامية وجماهيرية مضنية. وفي حالات غير قليلة، تتزعم هي اللوائح، وتقود المهرجانات، وتلقي الخطب.
في المناسبات الوطنية الكبرى، تظهر قيمة النموذج اللبناني من جديد: وطن وملاذ وشرفة العرب، كما كان يسميه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن.
نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع