بقلم: سمير عطا الله
احتفلت «المكتبة الشرقية»، إحدى أعرق دور النشر في لبنان، بمرور 110 سنوات على إصدار «المنجد»، القاموس اللغوي الشهير. ولا تزال «الشرقية» من الدور القليلة جداً في العالم العربي المهتمة باللغة وشؤونها. وقبل أسابيع احتفلت مصر بمرور عام على وفاة اللغوي الباهر فاروق شوشة من دون أن يبين له وريث. وكان شوشة على مدى نصف قرن، قد أقام «جامعة مفتوحة» في إذاعتي القاهرة والبي بي سي العربية، تعلمت منها الأجيال حب اللغة بدل مدارس التعقيد والتنفير. ولعبت البي بي سي، التي كانت تدعى قبلاً «الشرق الأدنى»، دوراً كبيراً في هذا الطريق. وكانت الناس تُطرب لبرنامج «قَول على قول»: للشاعر والعلامة الفلسطيني سعيد الكرمي أكثر مما تطرب لخمسين مغنياً.
كانت اللغة هاجساً، فأصبحت في بعض المناهج عالة تهرَّب منها الطلاب، كما كتب الأستاذ أحمد الصراف في «القبس» نقلاً عن مدرّس فلسطيني خبير. لقد مضى زمن البحث والتجدد من أجل الابتكار من داخل اللغة بدل الانحراف نحو التبسيط والتنجيم. وفي القرن التاسع عشر وأوائل العشرين، توصّل اللغويون اللبنانيون وحدهم إلى إضافة مجموعة كبيرة من المفردات التي لا نعرف أنهم مَن ابتكرها دون المس في الأصول. ومن الكلمات التي وضعها أحمد فارس الشدياق: الجريدة والحافلة والمنطاد والمؤتمر والمطعم والموَصّل البرقي (التلغراف). ووضع الشيخ خليل اليازجي ألفاظاً منها الجواز والردهة والقفاز، ووضع نجيب الحداد الصحافة، والمعلم شاكر شقير المنظرة، والدكتور خليل سعادة: «آداب السلوك»، والدكتور بشارة زلزل: «البطريق للسمين من الطير، وليس فقط لـPenguin الظريف المشية، المتباهي البطن، والمضحك في انتصاب قامته».
ومع بدايات القرن العشرين وضع عبد الله البستاني «الآنسة» و«الداهية»، كما أورد الشاعر واللغوي أمين نخلة، لكنني لست واثقاً من ذلك. فعمرو بن العاص، في زمنه، كان يلقب «داهية العرب». وفي الفترة نفسها، وضع الدكتور يعقوب صروف «المصح» و«التلفزة» والصلب (للفولاذ)، ووضع سعيد الشرتوني «العاديات» للأشياء القديمة، والقطار للسكة الحديد والقاطرة للحافلة التي تبحر العربان. ووضع سليمان البستاني «الملحمة» للقوال من القصائد القصصية. واستخدم الدكتور أمين باشا معلوف النفط (للبترول). ولعل أشهر وأهم هؤلاء السادة كان الشيخ إبراهيم اليازجي، ومن الألفاظ التي وضعها: المجلة، والبيئة، والإربة والحساء، والدراجة، والحاكي، واللولب، والشعار، والمقصلة، والمقصف، والحوذي... وهلم جراً...
نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع