صناعة الفرح

صناعة الفرح

صناعة الفرح

 صوت الإمارات -

صناعة الفرح

سمير عطا الله
بقلم: سمير عطا الله

 وقف ميخائيل نعيمة أمام جسر بروكلين، العام 1925، فرأى جسوراً متداخلة وقطارات متسارعة وسيارات متدافعة واتجاهات سير متوازية ومتعاكسة، وسمع صخب التنقل فوق الحديد، وفكر في أعداد البشر التي تعبر شبكة الجسور هذه طوال ساعات النهار وبعض الليل، وقال في نفسه إن هذه حياة مادية لا تطاق، وإن الأميركي عبد للعمل ومُستعبد للاستهلاك.

وفي العام 1960 ذهب سعيد فريحة إلى مدينة ديترويت وكتب يصف مشاهداته: «مئات الجسور والأنفاق والطرق العريضة، وقد تشابك بعضها ببعض، وتفرّع عن كل بعضٍ ألف بعض، وانطلقت قوافلُ السيارات والقطارات فيها بكل سرعة، وبكثرة، وبكل اتجاه... فهي فوقك، وهي تحتك، وهي حولك وحواليك كأنها لعبة كهربائية ابتدعها عقلٌ جبار ليقف الإنسانُ عاجزاً عن متابعة حركتها بالنظر، وحتى بالفكر. ومن هذه الحركة، أو اللعبة، تدرك عظمة ديترويت من ناحية الثروة والإنتاج، وناحية العمران والسكان، وتدرك أيضاً أن الإنسان كفردٍ في هذا الزحام الهائل، لا شيء. سباقٌ مع الزمن ومع ملايين البشر». الأول أديبٌ مفكر فيلسوف، ذهب إلى الولايات المتحدة يطلب الإقامة والنجاح والثروة، فلم يحصل على شيء منها، ولذا، وجد في هذه الأعجوبة الآلية الطاحنة ما يُحزن، وليس ما يُفرح. أما الصحافي الذي مهنته أن يلاحظ الذي لا يلاحظُهُ المسرعون في الحياة، فقد استعاد مشاهداته في أوروبا وفي الشرق، فلم يجد ما يقارن به هذا التقدم الآلي الصناعي الرهيب.

أمضى ميخائيل نعيمة حياته يتأمل ويكتب ويفكر ويتساءل... ويتشاءم. جميع آثاره الأدبية خالية تقريباً من ملامح التفاؤل، وجميع ذكرياته المريرة في الماضي لا شيء فيها يدعو إلى الابتسام. وقد جاء سعيد فريحة من طفولة أكثر ألماً ومرارة وشقاء وأحزاناً ومجاعات، لكنه حوّل كل ذلك إلى سخرية ودعابات، بل حوّل بؤسه إلى صناعة للفرح، ومن هذه الصناعة، أنشأ أول دارٍ صحافية كبرى في لبنان. وعلّم الناس التفاؤل وأضحكهم من المتشائمين وخرافات المتطيرين.

بل كان أقرب الأصدقاء ورفاق العمر إليه رجلاً عُرف بلقب «ظريف لبنان» هو نجيب حنكش. وبسبب هذه المودة، بنى لعائلته «فيلا» خاصة في بلدة صديقه. ومعاً كانا يسخران من الثقلاء والبخلاء والخالين من الذوق. هو في «جعبته» الأسبوعية كتابة، ونجيب حنكش على المسرح أو في البرامج التلفزيونية. وقد كان في لبنان أقرب ما يكون إلى نجيب الريحاني في مصر، إذا صحّت المقارنة.

على أنني عندما أقارن بالريحاني أشعر بشيء من الارتباك؛ إذ كلما عدت إلى أفلامه ومسرحياته، أشعر أنه من تلك الظواهر التي تمر في الحياة مرة واحدة وقدرها ألا تتكرر.

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة الفرح صناعة الفرح



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:32 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

طالبات مواطنات يبتكرن جهازًا للوقاية من الحريق

GMT 05:07 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الفيصلي يقف على أعتاب لقب الدوري الأردني

GMT 08:12 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي أفكار مختلفة لتقديم اللحوم والبيض لطفلكِ الرضيع

GMT 04:05 2017 الثلاثاء ,25 إبريل / نيسان

فريق "العين" يتوّج بطلًا لخماسيات الصالات للصم

GMT 04:55 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

أحمد زاهر وإبنته ضيفا منى الشاذلي في «معكم» الجمعة

GMT 18:24 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مجوهرات "شوبارد"تمنح إطلالاتك لمسة من الفخامة

GMT 05:40 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

هبوط اضطراري لطائرة متوجهة من موسكو إلى دبي

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

منزل بريستون شرودر يجمع بين التّحف والحرف اليدوية العالمية

GMT 21:38 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد وخالد بن زايد يحضران أفراح الشامسي والظاهري بالعين

GMT 04:11 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ظهور القرش الحوتى "بهلول" في مرسى علم

GMT 00:56 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على فوائد وأضرار الغاز الطبيعي للسيارات

GMT 00:14 2015 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

صيحة الدانتال لمسة جديدة للأحذية في ربيع 2015
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates