بقلم: سمير عطا الله
المستقبل ليس في السياسة وحدها. لكن لا حماية للمستقبل من دونها أيضاً. لكل دولة في العالم ظروفها الإنسانية الجغرافية والتاريخية، وبالتالي، لها طرقها وأحكامها وضروراتها. والباب واحد: حاضرك امتداد ماضيك والشرعة أن يتقدم المستقبل عليهما.
جولة الأمير محمد بن سلمان لا سابق لها في العلاقات العربية الأميركية. صحيح أنها بدأت في البيت الأبيض ومواقع السلطة السياسية والدفاعية بأكملها، لكن لم يسبق لرجل دولة أن طلب أن تفتح له سائر أبواب الآفاق العلمية الكبرى كما فعلت أميركا لضيفها.
العلاقة الخاصة بين السعودية والولايات المتحدة كانت منذ نحو القرن علاقة تبادل واسع، لكنه مألوف في المسارات الدولية، مع هذه الجولة الاستثنائية، انتقلت هذه العلاقة إلى أبعد من ذلك بكثير. أو بالأحرى انتقلت الشراكة بين الجيل السعودي الشاب وبين عمالقة العلوم الحديثة إلى مربع جديد، أصرَّ على أن يتعرف عليه بنفسه، فما هو إلا جيله وعالمه أيضاً.
كل الأسماء التي كنا نقرأ عنها في خيالات العلم، شاهدناها على جدول زيارات ولي العهد من «أبل» إلى «ويندوز» إلى «بوينغ» إلى «مارتن لوكهيد» إلى مصانع الأدوية، إلى كبرى المعاهد العلمية.
مثل هذه الجولة لا يمكن القيام بها كل عام، ولذلك، أعطاها الأمير محمد كل هذا الوقت، تاركاً العالم من خلفه يتساءل عن الأهداف الكامنة وراء هذه الحيوية، وعن المجالات التي فتحت أمام كل هذه الأبواب التي استقبله أصحابها الواحد بعد الآخر في أهم عرض علمي - سياسي تقيمه أميركا لضيف رسمي.
في الزاوية الماضية حول الجولة ذكرتُ أن ولي العهد بدأها في لندن عاصمة العالم القديم قبل أن ينتقل إلى عاصمة العالم الجديد. وها هو يختتمها في عاصمة الجانب الآخر من أوروبا، باريس. هنا، مثل لندن، مثل واشنطن، محطة أخرى على طريق المستقبل. ليست مدن الطاقة الشمسية وحدها، مشروع المستقبل. والتعاون الممكن بين السعودية وفرنسا هو أيضاً ذو وجوه لا تُحصى. إنما الفارق بين الماضي والانطلاقة الشابة أن محمد بن سلمان لا يطرح تطويراً في العلاقات، بل تطوير شامل في الشراكة. وفيما تنظر الدول الكبرى إلى السعودية على أنها دولة نفطية كبرى، يبدأ هو رؤيته لتعدد المصادر والثروات والطاقات في بلد تجاوز سكانه الثلاثين مليون نسمة. لقد كانت هذه جولة حول صناعة المستقبل.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع