بقلم:سمير عطا الله
وإنما هذه هي الحياة: تبادل وتقاتل. وسعيد من عاش في الأولى ولم يعرف الثانية. وقد ركب الإنسان البحر، وضرب في البر من أجل أن يقايض ما عنده بما لدى سواه: إفةُ بهار بسلة عنب. وكان باعة المقايضة يجوبون شوارع بيروت خلف عرباتهم، ينادون بأعلى حناجرهم: «حديد بقضامة».
(والقضامة من قضم) هي حبوب الحمص المملح. كما كانت قوافل الإبل تخرج من بعلبك إلى قرى الجنوب مسيرة ليلة كاملة من أجل مقايضة المواسم المتنوعة.
في حاجته إلى المبادلة، أقام الإنسان شبكات من الطرق عبر جنبات الأرض. وحملت الطرق أسماء أشهر بضائعها. وكان ولا يزال، أكثرها شهرة «طريق الحرير».
عرضت الصين الحرير أمام شعوب العالم، وأخذت منهم ما لديهم. لكن ما هي طريق الحرير حقاً؟
يقام في المتحف البريطاني معرض خاص عن تلك الطريق السحرية، ولن نجد بالتأكيد من أجل القيام بجولة في هذا المعرض، دلالة أكثر دقة ومعرفة من المؤرخ البريطاني كريستوفر هاردنغ. تمتع في القراءة:
في بعض الأماكن في معرض «طريق الحرير» الجديد الذي يقام في المتحف البريطاني. يمكنك أن تسمع في الخلفية صوت حوافر الخيول. إنه إيقاع التجارة التي تتم على ظهور الجمال والخيول، يوماً بعد يوم، من أحد طرفي القارة الأوراسية إلى الطرف الآخر. جنباً إلى جنب مع مشهد قمم الجبال المذهلة، والمسارات، والأنهار إلى جانب مساحات شاسعة من السماء الزرقاء، وكلها تُعرض على جدران مساحة العرض المظلمة هذه، تحمل هذه الأصوات رسالة مطمئنة لطيفة: عبر قرون طويلة من الحروب المتقطعة، وصعود وسقوط شعوب وإمبراطوريات، لا يستطيع البشر العاديون تذكر جميع أسمائها. كان أحد الثوابت القليلة هو الحركة الثابتة للسلع والأشياء الفنية عبر التضاريس الممتدة من اليابان في الشرق، وحتى آيرلندا في أقصى الغرب.
إن أحد الأشياء الأولى التي ستتعلمها عند دخولك المعرض، هو أن تصور كل هذا من منظور طريق واحدة، سيكون خطأ فادحاً. فخلال الفترة التي يغطيها هذا المعرض، والتي امتدت من عام 500 إلى نحو عام 1000 بعد الميلاد، كانت هناك شبكة كاملة من الطرق تتقاطع عبر هذه القارة العملاقة. وكانت بعضها تمر عبر البر والبحر. وكان أغلب التجار يسافرون جزءاً ضئيلاً فقط من طول أي طريق معينة، ويشاركون في تتابع لم يكن من الممكن أن يدركه سوى قلة منهم. ورغم أن الحرير كان بلا شك، أحد أهم السلع، فإن الكثير من السلع الأخرى كانت تُحمّل على ظهور الحيوانات التي تحملها وترسلها في رحلات ملحمية حقاً.
إلى اللقاء...