بقلم: سمير عطا الله
كانت هذه المنطقة تسمى «الساحل المتصالح» أو «الإمارات المتصالحة» أو المتهادنة، لأن المصالحة شيء غير هين. تماماً. ما أن خرج البريطانيون من شرق السويس واستقلت الإمارات، حتى انتقل بها زايد بن سلطان إلى الوحدة. وأبعد من الوحدة، فيما بينها حدد هويتها «العربية» لكي لا يُبقي في أذهان العالم الخارجي تسمية «الخليج الفارسي».
مارس زايد بن سلطان رئاسة الاتحاد، كما مارس رئاسة إمارته: بالأبوة. وشارك الإمارات الأقل دخلاً مداخيل الأكثر غنى. وبأسلوبه وسعة أفقه بدأ للإمارات تاريخ جديد خال من أي لمحة من لمحات الصراع الماضي.
وكانت تجربته الأهم في أبوظبي نفسها حيث «أزهرت الصحراء»، كما قالت المؤرخة موللي إيزارد. وبسط حكم القانون معلناً أن لا حد للعدل سوى العدالة. وفي عهده نفذ حكم الإعدام بمواطن أقدم على تعذيب وقتل خادمة إندونيسية.
لم يبسط العلاقة السوية داخل الإمارات وحدها، بل أقام مع الدول العربية أعمق العلاقات وأصدقها. وكان هو من عرض على صدام حسين الإقامة والحماية في أبوظبي، لكي لا يعرّض العراق للدمار والاحتلال. تخيل لو اختار تعقل زايد.
وخرج زايد عن هدوئه مرة واحدة عندما انقلب الشيخ حمد بن خليفة على والده الشيخ خليفة بن حمد في قطر. ورأى في ذلك خروجاً على التقاليد العربية. وصدف أنه كان يومها في زيارة إلى مصر، التي لها مكانة خاصة في قلبه، فأدلى بتعليقات مريرة حول الانقلاب.
سأله مراسل «النيويورك تايمز» مرة لماذا لا يطبق النظام البرلماني، فقال: لأنه يشجع على النزاعات والانشقاقات. نحن قلوبنا مفتوحة لجميع أبنائنا وأهلنا، ورأي الناس هو كل شيء. أقام في أبوظبي حكماً منفتحاً عل جميع الحضارات. وترك للصحافة أن تكون رقيبة على نفسها، فلا تثير أي حساسيات مع أحد، وفتح أبواب التنمية على جميع مصاريعها. وكنت عندما تهبط بك الطائرة في مطار أبوظبي، تتطلع من النافذة فيُخيّل إليك أنك تهبط في حديقة نمساوية.
تحتفل الإمارات بمائة عام على ولادة الرجل الذي أسس اتحادها ودولتها وحداثتها. وكان الجميع ينادونه «زايد» تحبباً وتقرباً، يبادلونه دفقاً من المحبة والبساطة والصدق. أو يحاولون.
نقلاً عن الشرق الآوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع