بقلم: سمير عطا الله
هناك روايات مختلفة حول أصل «العقال» وأنواعه، كلها تجمع أن استخدامه بدأ في الجزيرة العربية. وتعريفه، أو وصفه، يجمع عليه أيضاً وهو أنه يوضع فوق الشماغ، أو الغترة. ونلاحظ أنه من لباس البدو في كل مكان في الجزيرة والخليج والأردن وسوريا وفلسطين ولبنان ومصر، لكن لا أعرف لماذا لم ينقله العرب معهم إلى شمال أفريقيا، أو في فتوحات أخرى مثل الأندلس.
وجميع من يضعون العقال اليوم، يفعلون ذلك ببساطة من يعتمر قبعة. فهو جاهز ما إن ترتب الغترة على رأسك حتى ترميه فوقها معقوداً خالصاً وتتوكل. لكن يبدو لي من قراءة شعر أبي العلاء المعري أن الأمر لم يكن في مثل هذه السهولة في أيامه. وأيامه مثل أيام المبصرين جميعاً، صعبة بغير عقال ومن دون غترة، فكيف إذا لزما.
يقول الشاعر: «قد تكره النفوس من الأمـ... ر ما له فَرجة كحل العقال». تخيل إن كان حله صعباً عليه فكيف كان عقده. ما يعتبره الإنسان العادي عادياً يجد فيه البصير مشقة. لكن صناعة العقال تطورت. ولم يعد وحده معقوداً مسبقاً، بل أصبح يُعقد مع الكوفية أيضاً ويرمى على الرأس بخفة من يرمي قبعة.
أشهر اختراع في هذا الباب كان كوفية أبو عمار، أي الكوفية الفلسطينية البيضاء. وكان، رحمه الله، لا تفارقه، لكن أصدقاءه ورفاقه كانوا يعتقدون بخبث محب أن له في ذلك غايات أخرى أيضاً: تغطية الرأس الذي لم يتبق فيه الكثير من الشعر.
والدليل أنه كان يرتاح أيضاً إلى القبعة العسكرية مع البزة العسكرية التي لم تفارقه، سواء معها أو مع الكوفية. وفي جميع المرات التي قابلته في الصباح كان يدخل، رحمه الله، حاسراً، حاملاً بيده الكوفية المربوط بها عقالها، يرميها جانباً، إلى أن ينادى على المصور، فيضعها في خفة وسرعة من دون الحاجة إلى تدويرها. كل ذلك تم الاهتمام به.
خلال عملي في الكويت، أصبت بوعكة وأنا أقود سيارتي إلى المكتب. ورافقني زميل لي إلى عيادة طبيب، يحزنني أنني نسيت اسمه. كان الرجل بارعاً في طمأنة الناس، وذا شخصية طيبة الحضور. وبعد الانتهاء من الفحوصات قال مبتسماً: لا شيء. مجرد إرهاق. وأردت أن أبتسم مرتاحاً، لكنه قاطعني محذراً: الإرهاق لا يعني أنه مسألة بسيطة. كثرته لعينة! قلت وما هو الدواء، قال لن أصفه لك لأنك لن تستخدمه على الإطلاق.
وقال ضاحكاً: أنا أعرف جيداً مرض السياسة والصحافة، أمس فقط ذهبت إلى عيادة أشهر مرضاي في قصر الضيافة. وقلت له، يا أخ أبو عمار مشكلتك الإرهاق. لا يجوز. أتعرف ماذا فعل؟ رمى كوفيته على رأسه وهب واقفاً وقال: قوم شوف شغلك. بدك حرر فلسطين وأنا قاعد؟