بقلم - سمير عطا الله
قد لا يكون الانتصار الفلسطيني في غزة حاسماً، لكنه في تشيلي أصبح مؤكداً. فريق الكرة الفلسطيني يكتسح المباريات في كل أميركا اللاتينية. ثم مَن يحمله قلبه على أن يغلب فريق فلسطين بينما يباد أهله في غزة؟ هنا، في تشيلي، يقيم منذ أوائل القرن الماضي، نحو نصف مليون مهاجر فلسطيني، يفلحون في الأعمال، ويبرعون في السياسة، ويضعون قضية الوطن الأم قبل كل شيء.
إنهم أضخم جالية فلسطينية خارج العالم العربي. ولهم حضور بارز في جميع المجالات. ويقول المثل الشعبي هنا: «في كل قرية شرطي وكاهن وفلسطيني»، لكن مثل جميع الجاليات العربية في المهجر، نقل الفلسطينيون خلافاتهم معهم. وانقسموا بين يمين ويسار. لكنهم كانوا يتوحدون سريعاً أمام مصيبة كبرى، كما أمام مذبحة «صبرا وشاتيلا» في بيروت، عام 1982. والآن يقفون معاً إزاء مأساة غزة، في نواديهم، أو شبكات التلفزيون العربية التي يملكونها.
ويقف الرأي العام في تشيلي مع غزة دون تردد. وكان الفلسطينيون يريدون أن تقطع تشيلي علاقاتها بإسرائيل، غير أنهم تراجعوا لأن بلادهم تستورد الأسلحة من الأخيرة، بما فيها الطائرات. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حرّك الناشطون الفلسطينيون ورفاقهم الشارع ضد الفظاعات الإسرائيلية. وبقيت القضية الأم حيّة في الضمائر رغم اندماج الجزء الأكبر من الفلسطينيين في المجتمع التشيلي، خصوصاً أولئك الذين أصابوا نجاحاً مادياً. غير أن حجم الكتلة الشعبية يحقق دائماً الغلبة في الصراع مع الحركة الصهيونية في البلاد. وفي الماضي كان اللبنانيون يشكلون الأكثرية المهاجرة في أميركا اللاتينية، لكن الجاليات الفلسطينية بدأت تبرز في المجالات السياسية في عدة بلدان أخرى مثل السلفادور، حيث الرئيس من أصل فلسطيني. قبل حرب غزة، كانت أهمية حجم الجالية الفلسطينية «محلية» فقط، أما بعدها فأصبحت على مستوى القارة الجنوبية برمّتها. فالحرب هذه المرة، لم تُبق أحداً على الحياد، بعدما شاهد العالم في كل مكان حرب الإبادة المتمادية والمستمرة.
يطلق البعض على تشيلي اسم «فلسطين الصغرى». ويشتهر لاعبو كرة القدم الكبار بانتمائهم إلى ذلك البلد الذي يقيم سكانه الآن في جبال الإنديز. وتضم الجالية سياسيين، وأدباء، وفنانين، وأساتذة جامعيين. وكانت آخر موجة هجرة كبيرة إلى تشيلي في عام 2008.