بقلم - سمير عطا الله
كانت شهرة سيارة «الوانيت» في الخليج شهرة «الروز رويس»، و«الكاديلاك». نصف شاحنة، نصف سيارة، يستخدمها العمال لكل أغراض حياتهم الشاقة والبسيطة. بدأ الاسم «1.8» دلالةً على قوة المحرك، في سيارات «فورد»، ثم في سيارات «تويوتا»، ثم أصبح اسم علم، ومن ثم صفة تطلق على الناس، مدحاً أو مفاكهة: «بتوع الوانيت»!
انقلبت الصورة تماماً ذات يوم عندما قامت حرب ليبيا، ورأينا العسكريين والثوار والمقاتلين يستخدمون «الوانيت» كبيرة الحجم في نقل المدافع والرشاشات. لم تكن تلك «وانيت»، وإنما عربة خاصة بجيش الجماهيرية العظمى، التي استدارت ضد بعضها البعض، وتجمدت كل قوة في مكانها، ولا تزال.
ظهرت «الوانيت» مرة أخرى علامة من علامات البؤس العربي المتفاقم والمتمدد في أحزان غزة ومآسيها، نصف شاحنة - نصف سيارة: وسائد بالية وفوقها أطفال جائعون، خائفون، وممنوعون من الاستغاثة والبكاء. الألبسة نفسها، والأمتعة نفسها، و«الوانيت» محملة بضحايا نتنياهو ولا يبكون. لقد حذروا من أن الشكوى خيانة وقُرئت عليهم قصيدة شاعرهم الأندلسي العظيم غارسيا لوركا: الأشجار تموت واقفة. والملحمة الأندلسية مستمرة كما ينبغي. وكانت الافتتاحية (أو شاعرها) في صحيفة «لوريان لوجور»، ينتقي لمقالة اليوم عنواناً يجول في خواطر الجميع: لبنان يلحق بفلسطين.
لكن ليس في «وانيت». فاللبنانيون شعب «مظنطر» يحب الوجاهة والسيارات الفارهة حتى وهو هارب في قوافل مؤلفة من الجنوب إلى أي جهة أخرى، داخل البلاد وخارجها. الثانية أفضل وأضمن وأريح بالاً. لكن خَلِّ في ذهنك دوماً أننا لسنا بتوع «وانيت». نحن معرض سيارات «لكزس» على «مرسيدس» على «رولز». المشكلة في الطرقات. هذه أيضاً قصفها نتنياهو وهو في طريقه إلى الأمم المتحدة لكي يشكو العدوان العربي!
كل طرقات الأمة تبحث عن ملاجئ. وأطفال «الوانيتات» يرتدون الملابس نفسها، ويحملون الأمتعة البائسة نفسها، ويهرعون جائعين إلى وجبة على الطريق.