بقلم: سمير عطا الله
كان الكاتب الأفرو أمريكى، جيمس بالدوين، يقول إن مشكلة الرجل الأبيض ليست فى أنه لا يعرف الرجل الأسود، بل فى أنه لا يعرف نفسه. راجع هذه الكلمات فى ضوء مشاهد الجحيم المفتوح فى المدن الأمريكية، حيث تقابل وحشية الشرطى الأبيض بوحشية المتظاهر الأبيض أيضاً. حرائق ودمار وخراب بدل مظاهرة صامتة مثل تلك التى حملت مليون أسود ذات يوم إلى البيت الأبيض.
العنف إحدى سمات المجتمع الأمريكى. وسببه العميق الخوف من الآخر وعدم الاطمئنان إليه. ولذلك، اندفع الأمريكيون إلى شراء الأسلحة بعد «كورونا» على نحو غير مسبوق، خوفاً من انتشار السرقات والتعديات. والولايات المتحدة هى ربما البلد الوحيد فى العالم الذى يشرِّع اقتناء السلاح الفردى، ويسهل شراءه من دكانة الحى. و«اللوبى» الوحيد الأكثر قوة من «اللوبى» الإسرائيلى هو «لوبى» البندقية الأهلية. هى ثقافة تلقى معارضة كبرى، لكن هذه المعارضة لاتزال أضعف من تحقيق أى تقدم.
يشد فى أزر هذه الثقافة مشاهد مثل التى تفجرت بعد خنق جورج فلويد. يشعر الأمريكى أنه بلا حماية كافية فى منزله ومخزنه وسيارته، وسط شراسة الفوضى وانفلات الغرائز وتهافت القانون.
فجأة يطل العنف من كل الجهات. وله أحزاب وأتباع فى كل مكان. وباريس ليست أقل مَيلاً إلى الفوضى والتكسير والاعتداء على أملاك الآخرين.
حيث يضعف القانون تستقوى الفوضى. وعندما تدب هذه، تتراجع جميع الروادع. وقف شقيق فلويد يدعو إلى الهدوء. يكفى العنف التافه أنه أخذ شقيقه أمام أعين أمريكا. والأكثر بشاعة فيه أنه عنف رسمى. شرطى ميرى وابن حكومة. ولو لم يكن كذلك لظلت المسألة جريمة فردية من العنصريات المألوفة فى مجتمع لايزال منقسماً، مثل سائر مجتمعات العالم، بدرجات متفاوتة وجذور مختلفة.
فى نهاية المطاف هى أيضاً أزمة ترامب عشية الانتخابات. الكثير من الشدة كثير والقليل منها قليل. ويسعفه فى هذا المأزق الجديد منافسة الديمقراطى جو بايدن الذى وصفه، على طريقته، «بالنعسان». ويشبه بايدن فى شخصيته البطيئة وكيل وزارة الخارجية فى إدارة كلينتون المستر وارن كريستوفر. وكان كريستوفر من كبار المحامين فى البلاد، لكن مع تقدمه فى العمر أصبح شديد البطء. فصار كلما أدلى بتصريح نشره الصحفيون ذاكرين «قال الراحل كريستوفر أمس...».
أين فائض التوتر عند الرئيس ترامب، وفائض النعاس عند نائب الرئيس السابق، بايدن. تحول المشهد المخيف إلى معركة انتخابية حادة. ومع ترامب سوف تتحول أيضاً إلى ملاكمة حرة. وفوق هذه الحلبة يبدو مشهد بايدن مثيراً للعطف.
* كاتب وصحفى لبنانى