بقلم: سمير عطا الله
من ذي القرنين إلى من يدعي أنه ملك الملوك، وأن جيوش السماء نفسها ترهبه، وأن أهل الأرض جميعاً يستضيئون بنوره! فهل يليق بإنسان كهذا أن يخشى عدواً حقيراً كالإسكندر؟ ألا يعلم دارا أن الله العلي الأعلى يهب العزة والسلطان لمن يشاء، وأن من يدعي، من عباده الضعفاء الهالكين، أنه إله مثله تخضع له جيوش السماء، يحل به غضب الله فيدمر مُلكه ويخرب بلاده!
ثم يؤكد له أنه عازم على قتاله في الميدان «... ولقد بعثت إليك مع رسالتك التي تفخر فيها بقوتك بسوط وصندوق مملوء بالذهب وحمار محمل بالسمسم... فأما السوط فدليل بأنني سأكون أداة لتأديبك، وأنني سأصبح حاكمك ومعلمك وهاديك، وأما الكرة فتشير إلى أن الأرض وما عليها ستكون خاضعة لرجالي، وأما الذهب، وهو بعض ما لديك من كنوز، فيدل على أن مالك كله سيُنقل إلينا.
أسرفت في القول، وغرك مُلكك الواسع، فتجبرت وتعاليت، وادعيت أنك رب هذه الأرض... أما أنا فلست أعتمد غير العناية الإلهية، وما من شك لديّ في أن الله، جلت قدرته، سيجازيك على كبريائك هذه... ويجعل لي الغلبة عليك. ولست أعتمد في هذا كله إلا على الله وحده والسلام».
اضطر الإسكندر إلى العودة إلى مقدونية لمرض والدته، لكنه عاد بعد شفائها، ودارت بينهما رحى القتال. وقد وصف المؤرخ ميرخواند المعركة:
وتحرك الجيشان كأنهما بحران صاخبان، وتلاطما كأنهما جبلان من حديد، واظلم الجو من كثرة ما ثار من النقع في الميدان... وانشقت السماء... وجرت الدماء على شفار السيوف كأنها المطر المنهمر... وحجبت أجساد القتلى أرض السهل كله عن الأنظار، وحالف النصر الإسكندر، وولى دارا الأدبار فعبر نهر الفرات، وجمع جيشاً أكبر من جيشه الأول، وعرض الصلح مع الإسكندر، وقبل أن ينزل في سبيل ذلك عن نصف ملكه... لكن الإسكندر رفض العرض، مخالفاً نصيحة قواده.
وفي اليوم الحادي والعشرين من سبتمبر (أيلول) سنة 331 ق.م عبرت جيوش مقدونية نهر الفرات بقيادة الإسكندر في أثناء خسوف القمر. وتقابل الفرس واليونان مرة أخرى عند أربيلا، ودارت بينهما معركة من أعظم المعارك الحاسمة في التاريخ. انتصر الإسكندر، وصار صاحب الأمر والنهي في الجزء الأكبر المعروف من العالم وقتئذ، وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره.
فر دارا من ميدان القتال ليغتال لاحقاً بيد أحد مساعديه. وواصل الإسكندر سيره إلى أواسط آسيا. مات عام 323 ق.م وهو لا يتجاوز ثلاثة وثلاثين عاماً، وترك ملكه يتنازعه قادته.