البائس أصلاً وترجمة

البائس... أصلاً وترجمة

البائس... أصلاً وترجمة

 صوت الإمارات -

البائس أصلاً وترجمة

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

ذكرنا مرة كيف أن عباس محمود العقاد كان يسخر من أدب الحزن واللطم والتفجّع في تلك الأيام، ويستنكره على أصدقائه وخصومه سيان، وقد تخصص في نقد ومطاردة المسكين مصطفى لطفي المنفلوطي صاحب «النظرات والعبرات» وشيخ البكّائين في تلك المرحلة. وكان العقّاد إذا أراد مهاجمة المنفلوطي قدّم لذلك باعتذارات كثيرة، شارحاً أن المنفلوطي صديق بالدرجة الأولى، لكن الصداقة لا تغلب على الحقيقة. إذا كان للأدب في القرن الماضي عملاقان، هما العقّاد وطه حسين، فإن عميد الأدب العربي لجأ إلى الحيلة نفسها في كتابة هجاء مُقْذع للشاعر حافظ إبراهيم. حاول شاعر النيل، على ما يبدو، ترجمة الجزء الأول من رواية «البؤساء»، لفيكتور هوغو. وكان العميد يحب كل ما كتبه شاعر فرنسا، ويكره منها «البؤساء»، ويرى فيها عملاً مملاً مليئاً بالإطالات. وربما السبب كونه يكره الحزن والكآبة. كما كان، مثل العقاد، يتبرّم بتلك المرحلة التي طغت فيها الأحزان على النتاج الأدبي في مصر. وقال مرة: «كان البدع في أيام صباي تكلّف البؤس وانتحال سوء الحال، والافتنان في شكوى الناس والزمان. كان ذلك بدعاً في العقد الأول من هذا القرن، وكان حافظ يذيع هذا البدع ويروّجه».
لم تستفزّ الرواية وحدها العميد، بل استفزته خصوصاً الترجمة. وبعد الإسهام ومديح أسلوب شاعر النيل ولغته العربية والتشديد على علاقة الصداقة معه، ينتقل إلى القول إنك ما أن تبدأ في قراءة الترجمة حتى تشعر بأنها كُتبت في غير هذا العصر. وفي سخرية حادة يقول، من الأكثر سهولة أن تفهم «البؤساء» بالفرنسية مما أن تفهمها بترجمة حافظ. فالشاعر لا يسيء فقط فهم النص الذي يتصدى له، بل هو يُهمل أيضاً الكثير مما فيه، بحيث لا يعود له معنى على الإطلاق. ويروي العميد أن أحد كُتّاب مصر المُجيدين بكل براءة: «أليس غريباً أن يكون ابن المقفع أدنى إلى إفهامنا من حافظ»؟
يقول العميد: «نأخذ حافظاً بعيوب ثلاثة: الإسراف في اللفظ الغريب، والإعراب التام عن بعض النصوص. والتشويه الذي يختلف قوة وضعفاً لبعضها الآخر. وهذه العيوب الثلاثة خطرة جداً، ولكن حافظاً يستطيع أن يحتملها، فليس يمكن أن نقرأ، لا أقول ترجمته، بل أقول كتابه دون أن تستفيد». غير أن هذا الاعتذار، أو الاستدراك، أو المقدمة من الصداقة والمشاعر، لا يخفف من الحكم القاطع الذي أصدره العميد على شاعري فرنسا ومصر، في وقت واحد.
الخلافات الأدبية والصداقات الشخصية كثيرة في الأدب العالمي أيضاً. ومن أشهرها ما كتبه النمساوي ستيفن زفايغ في «عالم الأمس» عندما تحدث عن الصداقة الشديدة التي ربطته بأحد المترجمين الكبار في فرنسا. وروى أن المترجم هو أحب اصدقائه في بلد كان له فيه الكثير من الصداقات والمودّات. وعندما كان يزور باريس، لم يكونا يفترقان من لحظة وصوله إلى محطة القطار. وحسب روايته، فإن المترجم البالغ الثقافة لم يكن صديقاً ودوداً فحسب، بل كان معلماً غير مباشر، يلجأ إلى مشورته في كل قضايا الأدب

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البائس أصلاً وترجمة البائس أصلاً وترجمة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 18:04 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الحب على موعد مميز معك

GMT 00:42 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كردستان تحتضن معسكر المنتخب العراقي لكرة السلة

GMT 01:57 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عقبة تُواجه محمد صلاح وساديو ماني أمام برشلونة

GMT 05:18 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ريماس منصور تنشر فيديو قبل خضوعها لعملية جراحية في وجهها

GMT 17:03 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

استقبلي فصل الخريف مع نفحات "العطور الشرقية"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates