بقلم - سمير عطا الله
كان الحر قيظاً في مثل هذا اليوم من 1956 على شواطئ الإسكندرية، كما وصفه محمد حسنين هيكل. والمدينة مضاءة بأنوار ساطعة ومقاهيها مكتظة كما هي الحال في هذا الوقت من الصيف... غير أن جمال عبد الناصر سوف يُلقي خطاباً أكثر حرارة. وسوف يبلغ المتنزهين، ومعهم العالم أجمع، من خلال «صوت العرب» أنه سوف يؤمم قناة السويس.
وكعادته، شكا إلى الشعب ظلم الاستعمار والإمبريالية واستغلال خيرات مصر. وقال، إن شركة القناة تدفع لمصر 3 ملايين جنيه في العام، وتقتطع لنفسها مائة مليون، وإن هذا الدخل سوف يحوَّل بعد اليوم لبناء السد العالي، هرم المياه والريّ. كالعادة أيضاً، لم ينقطع عن الكلام ولم تنقطع الناس عن الهتاف. دام الخطاب ثلاث ساعات، في حين كان الجيش يدخل مكاتب الشركة ويستولي عليها.
في لندن، كان رئيس الوزراء أنتوني إيدن يقيم مأدبة عشاء للملك فيصل، عاهل العراق، ومعه رئيس الوزراء نوري السعيد. وبعد انتهاء المأدبة قال السعيد لمضيفه، وفقاً لمذكرات الأخير: يجب أن توجه إليه ضربة موجعة وأن تكون تحت الحزام.
كان هذا أيضاً رأي إسرائيل وفرنسا. وشن الثلاثة حرباً قاسية على مصر، هدفها القضاء على عبد الناصر وصعوده المتعاظم بين الشرق والغرب. وفي الجهة المقابلة، التف السياسيون البريطانيون خلف إيدن، الذي أعرب عن خشيته من أن المصريين قد لا يتمكنون «فنياً» من إدارة «هذه القناة الرابطة بين الشرق والغرب».
الفرنسيون أيضاً أعربوا عن قلقهم من قرار التأميم. وفي اليوم التالي، أعلن وزير الخارجية كريستيان بينو، أن حكومته ترفض قرار الكولونيل ناصر من جانب واحد «والمضرّ بمصالح فرنسا وحقوقها». ولم يكن في خلفية الموقف الفرنسي القناة وحدها، بل جعل القاهرة مقراً لجبهة التحرير الجزائرية وحرب التحرير. ولذا؛ اعتقد الكثيرون من الفرنسيين أنه إذا قُضي على عبد الناصر فإن جبهة التحرير سوف تنهار بصورة تلقائية.
في واشنطن، كان الموقف مختلفاً تماماً. آيزنهاور نفسه كان شديد الاعتراض. ومدير الـ«سي آي إيه» آلان دالاس قال، إنه في حال الاعتداء، فإن جميع العرب سوف يقفون خلف عبد الناصر. وقال وزير الخزانة جورج همفري، إنه إذا وقفت أميركا إلى جانب بريطانيا، فإن ذلك يعني وقوفها ضد جميع حركات التحرر في العالم. وهكذا، تم إرسال وزير الخارجية جون فوستر دالاس إلى لندن على الفور لإقناع حكومتها بالعدول عن العمل العسكري.
لدى وصوله إلى لندن في الأول من أغسطس (آب)، قام دالاس بنقل رسالة آيزنهاور. ويقول فيها، إنه على رغم إقراره بالحقوق الشرعية للغرب في القناة، فإنه من غير الحكمة اللجوء إلى أي عمل عسكري. وبعد أربعة أيام بعث إيدن إلى آيزنهاور برسالة يقول فيها، إن الحكومة البريطانية لا تسعى فقط إلى منع عبد الناصر من أعماله التخريبية، بل أيضاً إلى إسقاط النظام المصري وإقامة حكم أقل عداءً للغرب «والحد من طموحات ناصر من المغرب إلى الخليج».
مُني العدوان الثلاثي بالهزيمة. وانتهى سقوط حكومة إيدن في لندن وغي موليه في باريس. وحقق عبد الناصر نصراً خيالياً، ما لبث أن انتكس للأسف بعد عقد.