بقلم: سمير عطا الله
كان منيف الرزاز اسماً عربياً لامعاً في زمن القومية. آمن، بكل صدق، بالشعار الذي شارك في وصفه: وحدة حرية اشتراكية. وضاق به وبشعاره الكبير وطنه الصغير، الصحراوي، وعاصمته الصغيرة، عمّان وجبالها السبعة، تماماً على عدد تلال روما.
ورأى فيه حزب البعث العربي الاشتراكي نموذج الجيل، فكان أن انتخب رجلاً من دولة ملكية أميناً عاماً لحزب الأمة ورمز المستقبل. وغادر منيف الرزاز العاصمة الصغيرة إلى رحاب العرب وأماني العروبة في بغداد. وبدأ يسعى إلى تطبيق حلمه: وحدة حرية اشتراكية. وتوفي الدكتور الرزاز في بغداد العام 1984. وكان ذلك في الإقامة الجبرية، تاركاً وصية من بند واحد: أن يُدفن في الأردن.
رئيس الوزراء الأردني الجديد، عمر الرزاز، ليس سر أبيه، بل سر تجربته. تعلم منه، أولاً، أن يكون حلمه في حجم بلده، فبقي في جبال عمان. وبدلاً من أن يدرس أصول التظاهر في جامعة بيروت الأميركية، درس الاقتصاد في هارفارد، وعاد منها بالدكتوراه. ولن يعطي مساكين البطالة درساً في الوحدة، بل سوف يساعدهم في الحصول على عمل أو وظيفة. وقد سهلت أمامه هذه المهمة الشاقة المرجعية العربية التي سارعت إلى وضع المساعدات العاجلة في تصرفه قبل أن تصرف «الجزيرة» للشعب الأردني عشرين خطاباً، وثلاثة برامج، وظهورين بطوليين للأخ ليث شبيلات.
أقلقت أزمة الأردن الأخيرة جميع الذين يعرفون معنى القلق. ويعرفون ما معنى أن يحول العرب هذا البلد الصغير الخالي الموارد، إلى عبء مفتوح للعرب، الهاربين من كل مكان.
كان الأردن، برغم كل ما أحيط به من مؤامرات وكوارث وخطابات، تجربة سياسية واجتماعية واقتصادية نادرة نسبياً. أدرك أن مورده الوحيد هو البشر، وعمل على ذلك. وأدرك أن الوطن أرفع من مواطنيه، فكلف نجل منيف الرزاز مساعدة الملك في المهمة الصعبة. ولو كان الوقت مناسباً لكرر عبد الله الثاني ما فعله الملك حسين من قبل: رافق ليث شبيلات إلى منزله وهو يهتف ضد العرش، ويعد الأردنيين بواحدة من جنتين: جنة «الجزيرة» أو جنة «الإخوان». كلتاهما تلتقيان في مظاهرات الدوار الرابع.
نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع